البحث عن جلسة مجلس الوزراء، يشبه الى حد بعيد البحث عن جلسة تشريع الضرورة الاثنان يبقيان من ضمن الكلام الذي لا طائل منه، لاسيما ان البلد يسير نحو مهوار شبيه بما كانت تعاني منه جمهوريات الموز في اميركا اللاتينية التي ما تكاد تنام على رئيس لتقوم على انقلاب، وما يبعد عنا تجربة الانقلاب العسكري هو ان البلد مجزأ مذهبيا بصورة تمنع عنا صفة جمهورية الموز، اضف الى ذلك ان ضباطنا مكتفون ماديا وليسوا بحاجة الى منصب سياسي لن يكون افضل من المنصب العسكري بأية صورة من الصور؟!
وفي عودة الى ما يمنع انعقاد مجلس الوزراء ان كل وزير يعتبر نفسه رئيسا للجمهورية طالما ان البلد بحاجة الى توقيع اي مرسوم من جانبه (…) والله يساعد رئيس الحكومة الذي لم يعد يعرف من السلطة سوى الموقع الذي هو فيه كمقر رسمي، وهذا الشيء ينطبق على رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يجد نفسه مضطرا لان يكون رئيس سلطة تشريعية من غير ان يكون قادرا على ممارسة دوره في حمل المسؤولية، باستثناء ما يقال عن لقاءات الاربعاء النيابي التي يضطر لان يجمع بعض النواب كي لا يقال انه عاطل من العمل مثله مثل اي مدير عام في دولة لا ادارات فيها؟!
المهم في هذا الظرف الحرج ان عناصر الجيش من عسكرييه وضباطه لم يقبضوا رواتبهم في تصرف لا سابق له في الحياة اللبنانية العامة، حتى وان كان البعض يري ان القبض لا بد حاصل طالما هناك قرار بحاجة الى من يوقعه من وزير المال ورئيس الحكومة، وهذا الشيء لا بد وان يأخذ طريقه الى التنفيذ كي لا يقال اننا في «مرحلة عيب سياسي» من الواجب تخطيها، فيما لم يقل احد ان الوزراء والنواب لم يقبضوا رواتبهم لانهم في حال اكتفاء ذاتي من شأنه ان يسري مفعوله على الكبار والصغار لولا كلمة عيب سياسي لا سابق لها في الحياة العامة والخاصة؟!
وما هو اهم ان جلسات مجلس الوزراء لم تنعقد لاكثر من سبب سياسي من ضمنه الشروط الموضوعة من قبل الوزراء حيث لكل وجهة نظر قريبة من «العيب» الذي يشبه جلسات مجلس النواب التي تحتاج بدورها الى من يفهم معنى عدم انعقادها لغايات من الواجب كشفها على غير اساس تشريع الضرورة الذي لا بد وان يشبه جلسات التمديد لمجلس النواب، وهذا لا بد سيحصل كي لا يتحول مجلس النواب الى من يشكك، في دستوريته، كما سبق وحصل لمرتين اثنتين والحبل على الجرار (…)
وطالما، ان الحال السياسية في البلد على ما هي عليه من غش في حمل المسؤولية، ثمة من يجزم بان من الواجب الاقتناع بعقد مؤسساتي يلغي اللعب على مجلسي النواب والوزراء وهذا بدوره من ضمن ما هو مرجو للبحث الجدي في حوار الضرورة الذي لا بد وان ينتج حالا سياسية مقبولة في حدها الادنى، ليس لان مجلس الوزراء غير قادر على الانعقاد، بل لان مجلس النواب لم يقتنع الى الان بعقد جلسات الضرورة التي من الواجب ان لا تتأخر البتة كي لا يقال انها ممنوعة لهذا السبب او ذاك؟!
وما هو اكثر اهمية ان مؤتمرات الحوار الوطني قد توصلت الى تحديد شكل رئيس الجمهورية والحيثية الواجب ان يكون عليها لكن البحث في الاسماء لا يزال يدور في حلقة مفرغة من شأن الاستمرار في الخوض فيها ان يبقى البلد من دون رئيس، اضف الى ذلك ان ما يقال عن هذا الرئيس لا بد منه، سيكون كلام مماثل عن رئيس اخر لا جدوى من الابتعاد عن اسمه طالما بقي قادرا على تأمين الاصوات النيابية التي تمنع الرئاسة عبر نصاب لا يكتمل من دونه وعبر تشريع يمنع الرئاسة عن سواه!
حيال هذه الدوامة لن تكون جلسة تنعقد تحت عنوان تشريع الضرورة وهذا ينطبق على جلسات مجلس الوزراء الذي يحتاج بدوره الى من يفهم المطلوب منه كي يشكل حكومة قادرة على ان تحكم من غير حاجة الى الاتكال على ارضاء فلان او علان من الوزراء، فيما لا بد من ترك البلد في حال يرثى لها، حيث لكل مسؤول منهجية لا مجال من الاخذ بها سياسيا كي لا يقال لاحقا ان المذهبية قد لعبت دورها (…)
ومن هنا ايضا يصح الاتكال على المفاجآت السياسية التي تعني كل شيء باستثناء بقاء البلد من دون رئيس جمهورية وبرئيس مجلس نواب من غير تشريع وبرئيس حكومة غير قادر على جمع وزرائه، الا في حال الوقوف عند رأي هذا الزعيم او ذاك المتسلط، والاثنان مستبعدان من غير حاجة الى تحديد ماهية دستورية – قانونية لذلك، فضلا عن ان استبعاد حصول انقلاب عسكري يبقى غير وارد، اقله كي يستقيم الحال في جمهورية موز لبنانية متطورة، على قياس بعض لم يستفد من الرواتب التي تلحق به، وهذا مستبعد لاعتبارات مذهبية – طائفية في وقت واحد؟!