Site icon IMLebanon

من أجاز للحكومة تخطّي الخبراء المجازين؟

 

“الحاكم” يترأس “هيئة التحقيق الخاصة” برفع السرية عن الأشخاص المُشتبه بإهدارهم أموال “المركزي”

 

أن لا تبادر الحكومة إلى القيام بالاصلاحات الجدية المطلوبة فتلك مشكلة. إنما ان تكون الاصلاحات شكلية ومفصلة على قياس البعض، ولنا في “الإنجازات” والتعيينات الادارية في “الاقتصاد” و”الكهرباء” و”القضاء” دلائل وبراهين، فتلك مشكلة أكبر. خيط مسبحة التجاوزات لم يعقد رغم كل الاخطاء. ليضاف إلى ما تقدم تخطي الاصول والقوانين في “التدقيق الجنائي” وادخال الموضوع في جدل تقني ووطني قد ينتهي “بتطييره”.

 

من منطلق الغيرة والواجب الوطني، فإن المضي قدماً في التدقيق المصرفي كان من الممكن ان يكون الانجاز الحقيقي والفرصة السانحة الوحيدة للحكومة في مكافحة الفساد، ووضع حد لمن تسوله نفسه مستقبلاً للتمادي بنهب مال الدولة، لولا سقوطه في فخ تخطي القوانين تحت العديد من المبررات غير المجدية أو عن ضعف الخبرة.

 

تهميش قانون تنظيم مهنة المحاسبة

 

تكليف شركة ALVAREZ & MARSAL، للقيام بمهمة التحقيق الجنائي يعتبر مخالفة لقانون تنظيم مهنة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان. فـ”الفقرة الثانية من المادة 4 من قانون تنظيم المهنة رقم 364 تؤكد على مبدأ تنمية روح التعاون والتعاضد بين اعضاء خبراء المحاسبة المجازين في لبنان، وبمساعدة من الدولة ورعاية المصالح والدفاع عن الحقوق المشروعة لكل من ينتمي إلى هذه النقابة”، يقول عضو جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد – لبنان” والخبير في المحاسبة المجاز والمصرفي الاستاذ عادل كريم. ويضيف بأن “تجاهل دور الخبراء المجازين في لبنان، وهم من ذوي الباع الطويل في تدقيق المصارف ويملكون معرفة عميقة بالقوانين اللبنانية والضريبية وتعاميم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، يعتبر بالدرجة الاولى تهديداً مباشراً لخبراء المحاسبة المجازين. خصوصاً ان الحكومة لم تطرق باب النقابة ولم تستشرها في قضية تعتبر من صلب صلاحياتها رغم انها محدثة بموجب قانون. ولم تتعاون مع النقابة لتزويدها بلائحة من الخبراء من ذوي الخبرة في تدقيق المصارف والتهرب الضريبي والكشف عن الفساد. وقد سبق ان كشفوا في تقاريرهم الكثير من المخاطر التي كانت تحيط بأعمال المصارف”.

 

الامور لا تقف عند هذا الحد، فالمادة 18 من قانون تنظيم المهنة تؤكد في الفقرة الأولى منها على وجوب ان يكون الخبير الاجنبي المكلف في عملية تدقيق داخلي في لبنان من بلاد تجيز قوانينها وانظمتها للبنانيين مزاولة مهنة المحاسبة والتدقيق فيها، بعد استيفائهم لمتطلبات مزاولة المهنة، وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل. وذلك وفقاً لعكس النسبة العددية للسكان. فيما ان الفقرة الثانية من المادة ذاتها تؤكد انه لا يحق للخبير الاجنبي أن يعمل في لبنان إلا بمشاركة خبير محاسبة مجاز لبناني. أما المادة 19 فهي تنص على ان الخبير الاجنبي عليه ان يسجل في جدول الخبراء الاجانب بعد تقديمه طلباً خطياً يرفق مع المستندات التي تثبت توافر الشروط القانونية لمزاولة مهنة المحاسبة والتدقيق المالي في لبنان.

 

غياب دفتر الشروط

 

“كفانا خرقاً للقوانين والانظمة المرعية الاجراء”، يقول كريم. واذا كانوا لا يعترفون بالخبرات الداخلية ولا يعيرونها اهمية، فكان الاجدى بهم “السير وفق الاصول ووضع دفتر شروط فني مهني قانوني، متعلق بمهام التدقيق الجنائي. باعتبار ان نهب اموال الدولة هو رأس المعصية والفساد”، من وجهة نظر كريم. “فهذا الاجراء كان من شأنه اضفاء الشفافية والعدالة على عمل الحكومة واعطاء فرص للمهنيين اللبنانيين لاثبات جدارتهم ومهاراتهم”.

 

وبحسب البيان الصادر عن جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” فان “الحكومة لم تكتف بأنها أولاً غطّت مخالفة المهلة المذكورة في القرار لعدم جهوزية دفتر شروط لاستدراج عروض وفق الأصول. ولما تجاوزت ذلك، لم تلجأ إلى نقابتي المحامين وخبراء المحاسبة المجازين، المعنيتين بالتحقيق والتدقيق، للتعاون على تأمين افضل فريق عمل من الكفاءات اللبنانية المهنية من المقيمين او المغتربين الذين يتمتعون بالقدرات والمهارات على أعلى مستوى دولي، كي تسند اليهم هذه المهمة الوطنية الحساسة وقد تكون المصيرية بامتياز”. وعوضاً عن ذلك لجأت بقرار خطير وبعمل غير مسبوق لأي دولة ذات سيادة، على التعاقد مع 3 شركات اجنبية لإتمام المهمة بكلفة باهظة من اموال الشعب وباطار خارج عن الموازنة”.

 

لا شك ان التعامل بشفافية مع التدقيق المالي والوصول إلى نتائج فعلية يتطلب، بحسب كريم، “وجود قوانين ووضع قائمة تدقيق، audit manual للتمكن من اجراء مطابقة بين ما هو مصمم من قوانين ونظم واجراءات وتعليمات rules and regulations وبين ما هو منفذ”. وبالتالي فان المطلوب برأيه “ان يكون هناك دعم وصلاحيات ونوع من النظم القادرة على حماية ابداء الرأي حول موثوقية البيانات المالية الصادرة منذ حوالى ثلاثين سنة. وفي حالة “التدقيق الجنائي” فهي تعتبر جزائية إذ ان السارق يحبس وهذا يتطلب احترام القوانين واسناد المهمة الى اهلها الوطنيين. وباشراف الاجهزة المعنية في الدولة واهمها ديوان المحاسبة”.

 

تعديل السرية المصرفية ضرورة

 

من جهة أخرى يلفت المحامي المتخصص في الشأن المصرفي عماد الخازن إلى انه “في جرائم “الفساد” كالرشوة وصرف النفوذ واستثمار الوظيفة واساءة استثمار السلطة والاثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، وفي حال رفض الشخص المشتبه بارتكابه احدى تلك الجرائم التنازل طوعاً وصراحةً عن السرية المصرفية، فقد حصر القانون حق رفع السرية المصرفية بهيئة التحقيق الخاصة وهي هيئة ذات طابع قضائي يرأسها حاكم مصرف لبنان ولها حق رفع السرية المصرفية، بعد اجرائها تحقيقاً في حسابات الشخص المشتبه به او في عمليات مصرفية مشبوهة، لصالح القضاء المختص. وبحالة التحقيق الجنائي فانه من المفروض ان تكون كل الحسابات مكشوفة أمامهم. ولا يمكن للشركة المدققة رفع كل طلب بطلبه إلى هيئة التحقيق الخاصة لكي يصار إلى كشف حسابات الاشخاص او العمليات المصرفية المشتبه بها، فهذا الامر يتطلب سنوات طوالاً وليس شهوراً”. ما يعني بحسب الخازن ان “التوصل إلى نتائج سريعة وشفافة يتطلب تعديل قانون السرية المصرفية او قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب”.

 

إذا كان المبدأ الأول لمكافحة الفساد هو “انتشار سيادة القانون”، فان القانون “يمنع بحسب جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” التعامل مع أي طرف له صلة بالدولة المحتلة لأراضينا، والتخلّي عن الكفاءات الوطنية التي يتغنّى بها الشرق والغرب”. من هنا فان “الجمعية” تحذر “الحكومة مجتمعة من التمادي في المخالفة الدستورية بالاستخفاف بشأن سلامة الوطن وأمنه وبمخاطر توفير معلومات سرية ذات بعد وطني قد تكشف أسرار الدولة وأفراداً لبنانيين إلى جهات معادية للبنان، كما تحمّل الحكومة والجهات الأمنية المختصّة مغبّة استسهال التعامل مع من زار ودرس في جامعات الكيان الصهيوني”.

 

الايحاء بالاصلاح ووضع بعض الطلاء فوق الهريان اخطر من الفساد الظاهر. فما يجري يشبه إلى حد كبير شق صدر مريض القلب وتقطيبه من دون فتح الشرايين المقفلة، فيظن انه سلم من الداء ويتوقف عن المعالجة وأخذ الدواء فيما يكون الموت بانتظاره.