لن يكتفي من اقتحموا فرع أحد المصارف، السبت الماضي، بالجلوس على «الكونتوار» وتدخين السجائر خلافاً لنظام البنك والهتاف «تسلم إيدك علي شعيب». أولئك، بكوفيّاتهم الحمر وبثيابهم «الرثّة» كما وصفها البعض، المختلفة عن بزّة مدير البنك و«كرافاته»، تمكّنوا من احتلال المصرف نحو ثلاث ساعات، مطلقين هتافات مناصِرة للعمال والفلاحين والموظّفين وصغار المودعين، ومناهِضة لسلطة رأس المال والمصارف ومالكيها وحاكم مصرف لبنان. المحتجّون المنتمون بمعظمهم إلى قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، نفّذوا احتجاجهم داخل فرع بنك BLC في الحمرا صباح السبت، مجبرين مديره وموظّفيه بعدما كانوا قد تذرّعوا بعدم توفّر الدولار الأميركي لديهم على الرضوخ ودفع مستحقّات عدد من الزبائن بالدولار. المنتفضون دعوا «جميع المتضرّرين إلى الانتظام في مواجهة المصارف والسّلطة السياسيّة المتواطئة»، واعدين بالتصعيد في بيانهم: «المصارف ستصبح في قبضة الناس، وهذا أول الغيث!».
التصعيد يبدأ كما علمت «الأخبار» بـ«إطلاق ما يشبه دليل المواطن لسحب الودائع»، وذلك إثر تلقّي «قطاع الشباب» عدداً كبيراً من الرسائل والأسئلة حول مواعيد تحرّكاته المقبلة، طرحها عليه مودعون في المصارف يريدون أن ينتهزوا فرصة التحرّك ليتمكّنوا من سحب الودائع أو التحويلات أو الرواتب. تحرّك القطاع من داخل البنك ليس الأول ولن يكون الأخير، فهو سبق أن نظّم وقفات احتجاجيّة وجولات من داخل المصارف وأمام جمعية المصارف ومصرف لبنان. توافد عشرات الشبان السبت للوقوف إلى جانب زبائن الـ BLC، «يمكن أن يتكرّر في غير وقت ومع غير بنوك» كما يقولون، وهم قصدوا البقاء «أطول فترة ممكنة داخل الفرع كإعلان احتلال له»، لكن الهدف الأبعد يتمثّل «بتنظيم المواطنين لأنفسهم ضمن مناطقهم والتحرّك كمجموعات وليس فرادى، لمنع عمليّات ابتزازهم من قبل المصارف». المستهدَفون هم «طبقة الـ 1% من الأوليغارشيّة الحاكمة وبينها أصحاب البنوك الستة الكبرى ممن نفضحهم بالأسماء وقد وزّعنا صورهم سابقاً كمطلوبين من الشعب».
بالنسبة إلى سمير سكيني الناشط في قطاع الشباب، فإن «المصارف باتت مساحة للتظاهر بإمكان الانتفاضة أن تعبّر عن رأيها من داخلها. تحرّك السبت حصل بعدما علمنا بأن ثمة مواطنين في الفرع لم يتمكنوا من سحب أموالهم، وانكشفت مسرحيّة الفرع بأن لا دولارات لديه وهي على شاكلة مسرحيّة الـ Capital Control على الودائع الصغيرة».
اضطر المصرف الى دفع مستحقات عدد من الزبائن بالدولار تحت ضغط المعتصمين
لم تكن مايا الفلسطينيّة الأصل تعرف أنها ستُسأل عن جنسيّتها من قبل أحد الصحافيين خلال التحرّك لاختلاف لهجتها، كما لم تكن تتوقّع أنها ستُطالب بـ«لو غيّرتي لهجتك شوي». مقاربة مايا مختلفة تماماً، إذ تصرّ في حديثها إلى «الأخبار» على أن «معركتنا اليوم طبقيّة، هي معركة العمّال والطبقات الدنيا التي تشكّل أكثر الشرائح إنتاجاً، وهي طبقات متعدّدة الجنسيات وتضمّ من لا يتمتّعون بالحقوق كاللاجئين وعاملات المنازل». تتحدّث مايا عن «ضرورة أن تضمّ الثورة اللبنانيّة العمال من كل الجنسيات، لأنّ العنصريّة تجاههم تشكّل أداة السلطة الأمضى في تكريس الشرخ بين الطبقة العاملة اللبنانية بهدف الحؤول دون رصّها الصفوف ضدّ السلطة الأوليغارشيّة والمصارف وبلطجيّة الاقتصاد»، مؤكّدةً أن «الأحقيّة السياسية للاجئين كعمال ينتجون ضمن هذا الإطار الجغرافي، لا يجب أن تسقط من أي خطاب يميني أو يساري مرتبك». مايا أجابت من سألها «إنتِ من وين؟» بأنها «من بيروت، لأنها عاصمة من يعمل ويعيش ويناضل فيها، هي عاصمة العمّال والمقاومين».