Site icon IMLebanon

“الفذلكات” لا “تُطعِم” دولارات… ولا ليرات

 

مساهمو المصارف عالقون بين تراجع المداخيل وضياع الاستثمارات

 

مصرف لبنان يُركّب الفوائد طِبقاً لمصلحة المصارف

فترة الرخاء الطويلة التي عاشتها المصارف اللبنانية، تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى ضائقة، ضيّقت على المودعين والإقتصاد. وتزداد يوماً بعد آخر حماوة الأزمة في القطاع المصرفي، متأثّرة بما يُوقد “المركزي” تحتها من تعاميم. سهام التدابير العشوائية، تخطّت المواطنين، لتطاول شريحة كبيرة من صغار المستثمرين والمكتتبين بأسهم المصارف.

خلْف معاناة المتعاملين مع المصارف، الذين يُسطّرون كل يوم حكاية عجيبة عصيّة عن الفهم والمنطق، تقف مجموعة من صغار المساهمين في رساميل البنوك، خائفة على ضياع استثماراتها مرتين، مرة بسبب تعميم “المركزي” بعدم توزيع المصارف لأنصبة الربح لمدة عامين، (وهو الإجراء الذي ترافق مع طلب مصرف لبنان من المصارف التجارية زيادة رساميلها بنسبة 20 في المئة، مقسّمة على دفعتين متساويتين بقيمة مليارَي دولار لكل واحدة، تُؤمّن الدفعة الاولى قبل نهاية العام فيما تترك الدفعة الثانية للنصف الاول من العام المقبل)، والمرة الثانية بانخفاض قيمة الأسهم الى حدّ تلاشيها مع استمرار الأزمة وتعمّقها.

 

الإقتطاع حتميّ

 

إذا كان الخيار الثاني يُعتبر نسبياً، ويرتبط بالمسار الذي ستأخذه الأزمة، فإن الخيار الأول المتمثّل بعدم توزيع المصارف أنصبة الربح لمدة سنتين، لا يلغي قيمة الأسهم المحمولة من المستثمرين بل يدوّرها في رأسمال المصرف.

 

على الرغم من أن انعدام المردود الذي ينتظره المستثمرون قد يكون أمراً مزعجاً، إلا انه من غير المقبول بحسب الخبراء أن “يتقاضى المساهمون أرباحاً، في الوقت الذي يصطف فيه المودعون أمام الفروع للحصول على مئتي دولار أسبوعياً، هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فإن المستثمرين لن يستطيعوا سحب الأرباح المقومة بالدولار بسبب إجراءات المصارف المقيدة، وبالتالي فإن أنصبة الربح ستبقى في المصارف بجميع الأحوال”.

 

إنعدام الأرباح… وتدويرها

 

أربعة عوامل رئيسية ستعدم الأرباح المصرفية في الأعوام المقبلة، بعدما بلغت الأرباح المجمّعة لأكبر 15 مصرفاً في العام الماضي حوالى 2.4 مليار دولار، أو ما نسبته 85 في المئة من اجمالي ارباح المصارف التجارية في لبنان:

 

– تخفيض الفوائد المصرفية إلى 5 في المئة على الدولار و 8.5 في المئة على الليرة اللبنانية، حسبما جاء في تعميم مصرف لبنان الأخير. وهو ما سيعرض ما تتقاضاه المصارف التجارية التي توظف حوالى 70 مليار دولار في المركزي لتراجعات كبيرة.

 

– إحتمال توقّف الدولة عن سداد ديونها، وهو ما يهدد بإلغاء حوالى 40 مليار دولار ديون مباشرة على الدولة للمصارف.

 

– إرتفاع معدلات الديون المعدومة، مع عجز مختلف القطاعات الانتاجية والافراد عن سداد متوجباتهم للمصارف بسبب توقف الانتاج وصعوبة التصدير والاستيراد وارتفاع معدلات الصرف من العمل.

 

– إضطرار المصارف لتنفيذ Haircut، مع اشتداد أزمة السيولة، وهو ما سيدفعها، وفقاً لقواعد المحاسبة الى زيادة رأسمالها، عبر تحويل جزء من ودائع زبائنها الى أسهم تضاف الى رأسمال البنك. وبالتالي فإن الزيادة الكبيرة بعدد الأسهم ستدفع بأسعارها الى الانخفاض. المصرفي غسان شماس يرى انه من المتوقع ان تتأثر أسعار الأسهم التابعة للمصارف بالأوضاع العامة، “إلا انه من الناحية النظرية فإن تدوير الأرباح وتعزيز الرساميل بنسبة 20 في المئة، كما طلب تعميم مصرف لبنان، يخفف من هبوط أسعار الأسهم سواء كانت مدرجة أو غير مدرجة، ذلك لأن الربح سيضاف الى رأس المال، وهو ما يزيد تلقائياً من أسعار الأسهم”. وحول ما تتناقله مصادر مصرفية عن رفض بعض البنوك زيادة رساميلها، كما طلب المركزي، يلفت شماس إلى أن “التطبيق قد يستغرق وقتاً أطول من الذي حدده التعميم بالنسبة لبعض المصارف، إلا انه في النهاية كل المصارف ستوافق وتلتزم بالقرار. ذلك أن المصارف التي لن تلتزم ستعتبر متعثرة. وإذا حدث استثناء ما لأسباب موجبة أم غير موجبة فلن يقتصر على مصرف دون سواه بل سينسحب على الجميع”.

 

فخّ الـ 526… ولحس المبرد

 

ما يجهد مصرف لبنان الى فعله في التعميمين الأخيرين: زيادة رسملة المصارف، وخفض الفوائد الدائنة، هو زيادة رأسمال المصارف وتعزيز ملاءتها المالية لمواجهة أكبر قدر ممكن من السحوبات وتلبية طلبات المودعين. إلا ان التعميم الثاني والذي حمل رقم 526 يعتبر مفخخاً، وهو يهدف، بحسب شماس، إلى “زيادة رسملة المصارف من حساب المودعين وليس من أموال المصارف الخاصة وأرباحها”. وبرأيه فإن التعميم الذي طلب بوضوح خفض الفوائد الدائنة على الدولار إلى 5 في المئة و8.5 في المئة على الليرة، لم يحدد أسعار الفائدة المدينة أي التي يدفعها المقترض، سواء كانت شركة أو فرداً، على قروضه. بل ترك هذا المعدل مبهماً وجرى ربطه بـ (BRR) BEIRUT REFERENCE RATE الذي تحدّده جمعية المصارف استنسابياً. وهو ما يدل على نية مصرف لبنان بترك المصارف تقتنص ربحاً من الفرق بين الفائدتين، دائنة بـ 5 في المئة يدفع 2.5 في المئة منها بالليرة ومدينة محدّدة فوق الـ 10 في المئة. ولو كانت النية من وراء كل هذه “الفذلكات” مساعدة الإقتصاد لكانت خفضت الفوائد المدينة على الفور الى حدود 6.5 في المئة.

 

التذاكي في ظل هذه الظروف قد يشبه سياسة لحس المبرد، والتدابير التي تتخذ لتعزيز السيولة لن تعود تنفع أمام إفلاس الشركات في مختلف القطاعات الانتاجية والخدماتية والصناعية والزراعية وتشريد آلاف الموظفين – المقترضين وزيادة نقمتهم على الواقع المزري، ولا سيّما أنهم سيعجزون أجمعين عن سداد ديونهم. عندها، هل تعود الهندسات الذكية تنفع؟