IMLebanon

مصرف لبنان والحرب بالوكالة

 

شكّلت أزمة الدولار التي شهدتها الحياة اللبنانية، أسواقاً ومصارف ووسائل إعلامية مؤشّراً هاماً على التداعيات التي ألحقتها العقوبات الأميركية بالإقتصادات الموازيّة في كلّ من دمشق وطهران. التدابير الشجاعة التي اتّخذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كانت أكثر من كافية للدلالة على رفض تحميل السوق اللبناني والقطاع المصرفي تبعات الأعباء السورية والإيرانية والحرص على حماية النقد الوطني من السير على طريق الجلجلة السورية والإيرانية، بالرغم من كلّ الضغوط المترتبة على ذلك. يقول حاكم مصرف لبنان إنّ التعاميم التي ستصدر للمصارف في الساعات المقبلة لتنظيم استيراد السلع الاستراتيجية والمحدّدة حتى الآن بالنفط والقمح والدواء ستكون كافية للحدّ من الطلب على العملة الصعبة، استناداً الى إحصاءات تحدّد احتياجات السوق اللبنانية من هذه السلع، وفي هذا تحدٍّ كبير لمصداقيّة الأرقام وتقدير المخاطر والحدّ من الرغبة في الإنتحار.

 

ليس من المنطق بمكان التقليل من نتائج استمرار أزمة الدولار، إن على مستوى ثبات أسعار السلع الأساسية أو انفلات الأسواق، وليس من المنطقي كذلك تجاهل مستوى الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الذي يطال كلّ الطبقات الإجتماعية، ولكنه ليس من المنطقي كذلك القول أنّ أزمة الدولار هي القشة التي قسمت ظهر اللبنانيين الذين يعايشون فساداً مزمناً في لبنان تمارسه السلطة السياسية بمختلف أجنحتها وأتباعها ودوائر نفوذها، فأخرجتهم الى الشارع. صحيح أنّ المظاهرات المتنقلة وقطع الطرقات التي عمّت عدداً من المناطق اللبنانية وشاركت بها شرائح شعبية لبنانية جائعة وخائفة، حملت عناوين محقّة يُجمع عليها اللبنانيون، ولكنّ السمات الجغرافية والقواسم السياسية المشتركة التي عبّرت عنها هذه الجغرافيا توحي بأكثر من رسالة وتطرح أكثر من تساؤل. كما أنّ نظرية الثورة التي يفجّرها عادةً القمع والقهر والتي تسقط معها كلّ ما يمتّ الى سلطة ظالمة ليس لها مكان في لبنان استناداً الى كلّ التجارب السابقة. اللبنانيون الذين يعبّرون كلّ يوم عن فضائح الكهرباء والنفايات والكسارات والطاقة والإتصالات وغياب الدولة، هم خائفون على مستقبلهم ولكنّهم يعبرون عن خوفهم الأكبر بإلتصاقهم بزعمائهم وقادتهم، لأنّ هاجس الخوف من الآخر لا يزال يفوق بأضعاف الخوف على المستقبل، والغضب الذي عبّر عنه اللبنانيون في الطرقات منبعه خوف من آخر سيحدّده الزعيم السياسي لاحقاً وفقاً لمقتضيات المرحلة.

 

أزمة الدولار في أسواق بيروت أتت بعد زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية  مارشال بللينغسلي الى بيروت لمتابعة ملف إقفال «جمال تراست بنك» ولقائه بحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف الملتزمين بالإجراءات الأميركية، وبعد تطبيق رزمة من العقوبات على المصرف المركزي الإيراني، وهما ضربتان موجعتان للإقتصاد الموازي لحزب الله وطهران. وتزامنت هذه الأزمة مع تغيّر كبير في المواقف الأوروبية حيال طهران والعزم الأميركي على الإستمرار بتشديد الإجراءات الإقتصادية والعقوبات على طهران بعد الإعتداء على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية، وتخوّف إيران من هجمات إلكترونية على منشآتها النفطية عبّر عنه وزير الطاقة الإيراني «بيجان نمدار زنقنة» بوضع قطاع النفط في حالة تأهب قصوى لمواجهة التهديدات بهجمات مادية أو إلكترونية.

 

والتحرك في الشارع خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم  أعقب تجاهلاً وجفاءً من الإدارة الأميركية تجاه لبنان عبّرت عنه عدم مشاركة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في منتدى حوار الأديان وفي الحفل الرسمي لرؤساء الوفود المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة اللذين ترأسهما الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدم لقائه أيّاً من مسؤولي الإدارة الأميركية، وامتناع أي مسؤول أميركي عن لقاء وزير الخارجية جبران باسيل الذي يمارس دوراً رعويّاً مع الجاليات اللبنانية في الولايات الأميركية وكندا بينما يغادر لبنان آلاف العائلات الى أصقاع الأرض.

 

التحرك في الشارع يطرح أكثر من تساؤل مشروع حول توقيته وتزامنه مع حملة مركّزة عبر وسائل الإعلام طالت حاكم مصرف لبنان بشكل أساسي، وهو أيضاً يطرح جملة من المخاطر حول قدرة الإستمرار على تجنّب تداعيات الأزمة السورية على الإستقرار النقدي في لبنان وتداعيات الإشتباك الأميركي الإيراني عبر الوسطاء. وفي هذا السياق يطرح التساؤل الكبير: هل أُدرج مصرف لبنان الذي عبّرت الإدارة الاميركية أكثر من مرة أنّه أحد أهم الثوابت التي يُبنى عليها، على قائمة الأهداف التي ستشملها الحرب بالوكالة بين طهران وواشنطن؟

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات