IMLebanon

“الحل النقدي” وإفلاس البلد والناس

 

بين التجار والمصارف “إنتقام… لا غرام”!

 

يكفي أن ننظر من نافذة السيارة إلى جوانب الطرقات، لنعرف حجم القطاع التجاري في لبنان، وإذا أردنا التدقيق أكثر، فإن القطاع يُشغّل ما نسبته 27 في المئة من القوى العاملة. إلا أن هذا القطاع معرّض اليوم أكثر من أي وقت مضى للإنهيار وتشريد آلاف الأجراء. وما توصيف رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الوضع اللبناني بالكساد العظيم، إلا دليل على ما تُخبّئه الأيام المقبلة من ويلات.

 

 

من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبقاع والشوف وبيروت، الصرخة واحدة: “الإجراءات المصرفية الأخيرة… أصابتنا بمقتل”. وبحسب صاحب محلات “متني بروس” للألبسة في الأشرفية ميشال متني “لم يدخل متجرنا زبون منذ بدء المصارف تقييد الرساميل، ووضع سقوف للسحب”، وبرأيه “من تَهمّه مصلحة لبنان، عليه أن يتوجّه الى القضاء لإيقاف إجراءات المصارف غير القانونية، لانها تقتل الحركة الإقتصادية وتوصل لبنان إلى الإفلاس”.

 

على مرمى حجر من الأشرفية، تشهد أسواق الدكوانة جموداً كاملاً و”نسبة الإقفال تعدّت 10 في المئة منذ بداية العام”، بحسب عضو جميعة التجار جوزيف شرفان، والكثير من المؤسسات تنتظر إنتهاء فترتَي الميلاد ورأس السنة لتقفل أبوابها نهائياً. المشكلة التي لم يعمل لها التجار أي حساب، هي توقيعهم عقود الإيجار بالدولار، ومع “قفز سعر الصرف إلى 2070 ليرة اليوم (أمس)، وتوقف الأعمال أصبح الإقفال رحمة”، بحسب شرفان.

 

تُشكّل المصارف عصب التجارة، والأعمال تقوم على فتح الإعتمادات وأخذ التسهيلات وتأمين الحوالات، “إلا أننا لم نعد نستطيع حتى الحصول على أموالنا من الحسابات الجارية، وهذا يخالف أبسط قواعد التعاقد بيننا وبين المصارف، ويدفع مئات التجار إلى التخلف عن التزاماتهم، ويسيء إلى سمعتهم ويعرضهم لدعاوى قانونية”، يقول جمال بشير عضو جميعة تجار الشوف.

 

تخفيض فاتورة الإستيراد

 

بلغة الأرقام، فإن لبنان يستورد سنوياً بحدود 20 مليار دولار، رقمٌ متضخم صحيح؛ لكنه أمّن على مدار السنوات الماضية توسّع الأسواق التجارية، واستفادت مختلف شرائح المجتمع من عائداته، ولو بنسبٍ مختلفة. إلا أن ما يجري اليوم هو تخفيض فاتورة الإستيراد قسراً، في العام 2020 إلى 10 مليارات دولار. وإذا استثنينا مبلغ 6 مليارات دولار المدعومة من مصرف لبنان، التي تذهب إلى استيراد مشتقات النفط والدواء والقمح، وأيضاً مبلغ ملياري دولار كمواد أولية للصناعة المحلية، فإن كل ما يبقى للقطاع التجاري من كعكة التجارة هو مبلغ ملياري دولار بدلاً عن 12 ملياراً وهو ما سيدفع نسبة 50 إلى 70 في المئة من المؤسسات إلى الإقفال.

 

الحلول “المجنونة”

 

هذا كله والطبقة السياسية غائبة عن الوعي، وهي أشبه ما تكون “بالقادة البيزنطيين الذين كانوا يختلفون على جنس الملائكة، في حين كانت الأخطار على باب الأسوار”، يقول شماس في المؤتمر الصحافي، الذي أعلن فيه إلتزام التجار بإضراب الهيئات.

 

الأخطر برأي شماس هو هروب المسؤولين إلى “الحلول المجنونة”، حيث “يجري في السر والعلن درس قوننة تقييد التحويلات إلى الخارج capital control لتخفيف النزاعات القضائية، الأمر الذي سيفقد الكثير من القطاعات التجارية القدرة على الإستيراد”. كما يجري التداول بـ”إعادة هيكلة الدين العام”، ما يعني بالاضافة إلى تخلف الدولة عن سداد ديونها، وضرب مصداقيتها، إعدام قدرة المصارف، وتحديداً الصغيرة منها، على التسليف. بالإضافة إلى النية باقتطاع نسبة مئوية من الودائع، وانخفاض سعر الصرف. الحلول التي يجري تحضيرها هي بمثابة قنبلة ستصيب شظاياها كل الأُسر والقطاعات التجارية، في حين أن الحل بحسب شماس هو: “أولاً مالي، يتعلق باصلاح الدولة، وثانياً، سياسي يرتبط بتشكيل حكومة تحوز على ثقة ثلاثة مكونات وهي المجتمع المدني، مجتمع الأعمال والمجتمع الدولي، وإلا فإن سيف صندوق النقد الدولي سيُصلت على رقابنا”.

 

هذا الواقع لم يعد يسكت عنه، وما حاول التعبير عنه بدبلوماسية لاذعة رئيس الجمعية نقولا شماس، دفع بأحد المسؤولين في الجمعية إلى التحذير بان “المواطنين الذين سيرون بأم أعينهم بدء نفاد البضائع عن رفوف المتاجر، سيتسابقون بعد أيام إلى شراء ما يمكنهم من سلع ومواد غذائية، وبحسب التجارب فان الأمور لا تعود تقف عند حالة الهلع، بل ستتعدّاها إلى المشاكل والخراب.. وعندها لا تعود تنفع لا سياسات نقدية ولا مالية، والله ينجينا من هاللحظة”.

 

 

 

الكساد العظيم

 

 

الكساد الكبير هو أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929 واستمرت لغاية الأربعينات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وقد بدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأميركية مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلثاء الأسود.

 

وقد أدّت الأزمة إلى إقفال عشرات البنوك والمصانع وارتفاع هائل باعداد العاطلين من العمل. كما دفعت إجراءات المصارف لاسترجاع كميات كبيرة من المال من مصارف في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا، إلى نقل الأزمة إلى القارة الأوروبية، حيث تدهورت معدلات النمو، وتراجعت الدخول والضرائب. وعلى الأثر انخفضت التجارة الدولية إلى نحو النصف.