أشهر قليلة تفصل بين السقوط والإنقاذ
إستناداً إلى تجارب الدول التي اختبرت الإفلاس، وبناءً على المتوفّر داخلياً من معطيات، يظهر لبنان وكأنه قد تجاوز خط الأزمة الأحمر، وبدأت خطواته تتسارع نحو مرحلة جديدة يقع في ختامها الإفلاس.
يُعرَّف إفلاس الدولة بعدم قدرتها على الوفاء بديونها، أو الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع. وفي هذه المرحلة تعجز الدولة عن دفع رواتب موظفيها او القيام بأي نفقات استثمارية. وتترافق مرحلة الإفلاس عادة مع إقفال للمصارف وتقييد السحوبات، وتراجع أو إنهيار العملة الوطنية، مع إرتفاع في الأسعار. كما أن هذه المرحلة تشهد تدهور القدرات الشرائية، وإقفالاً للمؤسسات بسبب عجزها عن تحمّل النفقات، وبالتالي إرتفاع معدّلات البطالة وحدوث مشاكل أمنية متفرقة.
لبنان مُطابق للمواصفات
تعالوا نُسقط هذه المعطيات على واقعنا:
– بدأت أشهر ثلاث وكالات تصنيف دولية “فيتش”، “ستاندر أند بورز” و”موديز” تخفيض تصنيف لبنان منذ فترة ليست بطويلة من BBB الى CCC، ليصل مؤخراً هذا التصنيف من وكالة “موديز” إلى Caa2. وبغضّ النظر عن التسميات التي تختلف من وكالة إلى أخرى فإن وجود لبنان في هذه الخانة يعني أمراً واحداً: إحتمال كبير بعدم القدرة على سداد الديون.
– مختلف الشركات تواجه معضلة الإستيراد، بعد توقف المصارف عن فتح الإعتمادات ومنعها من تحويل الدولار الى الخارج.
– رواتب موظفي القطاع العام بحسب تصريح وزير المالية مؤمّنة لشهرين أي لغاية نهاية العام.
– مختلف السلع شهدت إرتفاعاً تراوح بين 30 و50 في المئة.
– تراجعت قيمة العملة اللبنانية من 1515 الى حدود 1900 ليرة للدولار الواحد.
– أغلبية المؤسسات اقتطعت 50 في المئة من رواتب موظفيها.
– مؤسسات أقفلت أبوابها نهائياً وسرّحت موظفيها.
– معدلات البطالة لدى الفئات العمرية بين 18 و30 سنة تفوق الـ 40 في المئة.
– الإستقرار السياسي معدوم، والثقة بالنظام قد تكون مفقودة على صعيد الوطن، وهو ما يدفع الى حالة من الهلع لم يشهدها لبنان حتى في أعتى الأزمات.
– العائلات تتموّن وتجمع ما تستطيع من مواد غذائية في المنازل.
– المساعدات الدولية توقفت، حتى ان الودائع التي وُعد بها لبنان من بعض الدول لم يأتِ منها شيء.
– توارد معلومات عن أوضاع حرجة تواجه بعض المصارف، بعد انحسار ملاءتها المالية، وتعرّض أصولها للمخاطر.
– تخطّي الدين العام 150 في المئة من حجم الناتج.
– عجز هائل في الموازنة يقدّر بـ 5.5 مليارات دولار.
– عجز متراكم منذ العام 2011 في ميزان المدفوعات وصل الى 15.5 مليار دولار.
– عجز الميزان التجاري بقيمة 18 مليار دولار.
– فساد في مختلف المؤسسات والإدارات وتضييع مليارات الدولارات بالتهرب الضريبي وعمليات الإثراء غير المشروع.
إذاً البيئة الإقتصادية اللبنانية هشة بدرجة كبيرة، ولو تواجدت هذه المعطيات في اي دولة لكانت أعلنت افلاسها وانهارت. فما الذي يحمي لبنان؟
دعامات الإنقاذ تتداعى
تتّفق الآراء على أن هناك بعض الدعامات ما زالت واقفة، إلا انها لن تصمد طويلاً في حال استمرار الأزمة. وبحسب رئيس تجمّع رجال الأعمال فؤاد رحمة فإن لبنان لن يتخلّف عن سداد ديونه للأسباب التالية:
يبلغ الدين العام 86.5 مليار دولار ويُقسم الى شقين:
– الأول عبارة عن دين بالليرة اللبنانية، قيمته 54 مليار دولار.
– الثاني دين بالدولار الاميركي وقيمته 32.5 مليار دولار.
في ما يتعلّق بسداد الدين بالليرة، فهو لا يشكل مشكلة إذ تستطيع الدولة طباعة العملة أو الاستدانة من جديد ولو أن نتائجها ستكون تضخمية.
أما بالنسبة الي الدين بالدولار فإن مصرف لبنان يحمل أغلبية الدين، وهو برأي رحمة لا يشكّل أيضاً عائقاً لأن مصرف لبنان هو الدولة فهل تطالب الدولة نفسها؟ بالطبع لا، فهناك امكانية “للرول أوفر”. اما بالنسبة إلى الفوائد فيستطيع تغطيتها من الاحتياطي.
سيف ذو حدّين
سياسة الإستادنة الداخلية، كانت سيفاً ذا حدّين، فهي حمت لبنان من جهة، ومن جهة ثانية كانت سبباً لكل المشكلات، “فالمصارف استفادت عن سابق اصرار وتصميم من تسليف الدولة بطريقة مباشرة، من خلال الإكتتاب بسندات الخزينة، أو بطريقة غير مباشرة من خلال استعمال ودائعها بالمركزي لاكتتاب مصرف لبنان بسندات الخزينة”. يقول الخبير الإقتصادي جون طويلي. إلا ان المشكلة أن هذه العملية “كانت تتم من دون أي مقابل أو ضمانات أو شروط بالإصلاح وهو ما وضعنا اليوم في هذا المأزق”.
في أواخر العام 2015 بدأ إحتياطي العملات الأجنبية يتراجع في مصرف لبنان، مما اضطر “المركزي” الى إجراء هندسات مالية تهدف إلى ضخ أموال بالاقتصاد من بوابة المصارف، وذلك للمحافظة على تثبيت سعر الصرف وتلبية حاجات الدولة.
وكان من المفروض أن تترافق هذه العملية – كسابقاتها – مع إصلاحات جوهرية في القطاع العام، وهذا ما لم يتم طبعاً. فوصلنا اليوم الى مرحلة إنعكاس في الأدوار حيث “بدأت الاموال تخرج من نظامنا، وبالمقابل تكاد تكون الأموال الداخلة شبه معدومة حتى أن الصناعيين والتجار بدأوا يطلبون من عملائهم تحويل الدفعات المالية الى حسابات في الخارج. وبالتالي فان مخزون الودائع من العملات الأجنبية ينقص ولا يزيد ولم يبقَ إلا كمية محدودة جداً يستطيع مصرف لبنان التدخّل بها لفترة قصيرة، للإستمرار بتثبيت سعر الصرف وتأمين تمويل الدولة”.
التطمين بالوهم
على الرغم من ان المؤتمر الصحافي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة طرح تساؤلات أكثر بكثير مما اجاب عن أسئلة، يُمكن أن يُستدلّ منه على أمرين أساسيّين:
الأول، أن مصرف لبنان سيؤمّن إستحقاقات تشرين الثاني من “اليوروبوندز” بقيمة 1.5 مليار دولار، لكن لم يجرَ التطرق إلى إستحقاق آذار 2020 مما إذا كان ممكناً تأمينه وبأي طريقة، في ظل استنزاف الدولار وعدم قدرة المصارف على الإكتتاب من جديد. والثاني، تأمين السيولة بالدولار للمصارف، لكن بفائدة 20 في المئة وهو ما سينعكس على ملاءة المصارف المالية، هذا إن كانت على استعداد للتضحية بشيء من أرباحها.