إذا كان مطلوباً أنّ يُعلن العالم إفلاس لبنان سياسياً لكي يُدرك اللبنانيون الى أي درك وصلنا، فإنّ هذا الإعلان لن يصدر، وإن كان العالم يتعامل معنا بشيء من هذا القبيل خصوصاً وسائط الإعلام الدولية ومراكز البحث الرصينة في مختلف أنحاء العالم الغربي.
ونحن، فعلاً، في حال إفلاس سياسي، ثمة أمور بحاجة الى شهادة لتتبين حقيقتها. أما إفلاسنا السياسي فشهادته منه وفيه. ولا نحتاج الى تكرار «العديّة» حول عجزنا عن إنتاج قانون إنتخابات. وعجزنا عن إجراء إنتخابات نيابية. وعجزنا عن تشكيل الحكومات (عادة) في ظروف طبيعية. وعجزنا عن إجراء الإستحقاق الرئاسي. وعجزنا عن حل لأزمة النفايات التي طلعت من حولها «روائح» كريهة أين منها روائحها التي تزكم الأنوف؟!
وثالثة الأثافي عجزنا عن توفير أدنى متطلبات الحياة بما فيها مرتبات وتعويضات الجيش الذي لولاه لما بقي لنا قائمة تقوم في هذه المرحلة بالغة الدقة والخطورة من تاريخ لبنان والمنطقة.
والسؤال الكبير الذي يطرح ذاته هو: لماذا؟ وكيف؟
أجل! لماذا وصلنا الى هنا؟ وصلنا لأننا (كشعب) نتخلى عن مسؤولياتنا وعن واجباتنا وعن دورنا أيضاً. وكيف؟ من خلال عدم تشديدنا وإصرارنا على إنتاج قانون إنتخابات عصري، يراعي تطلعات الناس وآمالهم، وأمنياتهم، وحقهم في الحياة الحرة الكريمة. قانون إنتخابات ينتج، بدوره، طبقة سياسية جديدة تراعي العصر وليس فقط باللباس والأناقة وعلك بضع كلمات أجنبية…
وأما إذا لم نتوصل الى مثل هذا القانون فإننا سنظل نعاني أزمات تأخذ برقاب أزمات، ومآزق تتناسل مآزق… الى ما شاء اللّه. أي إلى أن يُقضى نهائياً على آخر ما في هذا الوطن من مقوّمات وقدرة على الصمود.
ويجب أن نعترف بأننا نعيش في ظل نظام دستوري عاجز عن أن ينتج حلاً واحداً لمشكلة واحدة. والعكس صحيح: ففي هذا النظام الدستوري تتحوّل المشكلة الى أزمة، وتتحول الأزمة الى قضية، وتتحول القضية الى مأزق… فيكون التعطيل سيد الموقف، ولا سيادة سواه لا للحلول، ولا للإقتصاد، ولا للسياحة، ولا للسياسة.
فقط «بلوكاج كامل».
فلنكن واضحين… لا حلّ إلاّ بإعادة نظر شاملة في واقعنا بدءاً بوضعنا الإنتخابي، ووضعنا الدستوري. وحتمية إجراء تعديلات دستورية تعيد الى رئاسة الجمهورية حداً من الصلاحيات التي تكون بمثابة «صفّارة» في يد الرئيس الحَكَم. فكيف يكون حكماً ولا يملك حتى الصفّارة أو البطاقة الصفراء على الأقل.
وفي تقديرنا المتواضع أنه عندما تستعيد رئاسة الجمهورية بعضاً من صلاحياتها يقل الإعتماد على الخارج، بل الزحف إليه والإنبطاح أمامه (ولهذه النقطة شرح يطول دستورياً ووطنياً وإجتماعياً لا تتسع له هذه العجالة).
ذات يوم في مطلع العام 2000 مازحني أحد المراجع المستمر حتى اليوم في المسؤولية والسياسة بقوله: أنتم (يقصد المسيحيين) إستغرقكم 45 سنة حتى قضيتم على لبنان. فأجبته: أما أنتم فقد إستغرقكم 45 دقيقة (بعد الطائف) حتى أنهيتم لبنان