Site icon IMLebanon

مدانون حتى تثبتوا براءتكم

 

يتعرض لبنان على خلفية الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها إلى محاولات حثيثة وناشطة من أجل تغيير هويته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجعله شبيهاً بالدول التي تعاني من عزلة دولية وإقليمية، وضرب المستويات المعيشية والاجتماعية فيه ورفع نسب الفقر والبطالة، وتحويل اقتصاده إلى اقتصاد شبيه باقتصاديات الدول التي تغسل أدمغة شعوبها لإقناعهم بأن المعركة الحقيقة هي معركة عسكرية مع العدو وأن الأمور ستتحسن بعد تحقيق النصر النهائي الموعود، فتعيش الشعوب على هذا الأمل راضية مرغمة بأحوالها وإن حاولت هي أو أي فئة أخرى الانتفاض على هذا الواقع ووجهت بالقمع والسلاح وأطلقت بحقها كل الاتهامات وفي مقدمها اتهام الخيانة والعمالة للعدو.

 

في لبنان يحاول هؤلاء أن يلقوا بكل تبعات تدهور الوضعين الاقتصادي والمالي على قطاع المصارف في لبنان وهو بالطبع يتحمل مسؤوليات في هذا المجال، ولكن المسؤولية الأساس في ما وصلنا إليه تقع على عاتق من تعاقبوا على الحكم من رؤساء وحكومات ونواب طوال عشرات السنوات الماضية، فعملية الاستدانة والقروض من الداخل والخارج هي من مسؤوليتهم فأي استدانة كان يجب أن تحظى بموافقة الحكومة ومجلس النواب وهذا ما كان يحصل، هؤلاء مسؤولون أيضاً عن الهدر في صرف أموال القروض وأموال الخزينة اللبنانية باعتبار أن الشفافية والمحاسبة كانت معدومة وجميعهم شاركوا في المحاصصة وتقاسم المشاريع وتولي المناصب والاستفادة من مغانمها وجميعهم أحبطوا كل محاولات الإصلاح ورفضوا معاقبة أي فاسد تحت شعارات طائفية ومذهبية وسياسية، فهل كان مصرف لبنان والمصارف هي التي حالت دون ذلك؟ هل هي التي كانت تتحكم بقرارات الحكومات والمجالس النيابية؟ هل هي التي تحكمت بقرارات القوى السياسية ومنعتها من ممارسة دورها في الحفاظ على مصالح الناس ومدخراتهم؟ هل هي التي قررت الاقتراض ومراكمة الديون؟

 

الجواب الوحيد على هذه الأسئلة هو أن المسؤولية الأكبر تتحملها السلطة السياسية المتعاقبة وأن المصارف استفادت من الحوافز التي قدمتها لها هذه السلطة كي تستمر في تمويل دولة متداعية من ودائع الناس الذين بدورهم اغرتهم المصارف بالفوائد المرتفعة فطمعوا بتحقيق أرباح كبيرة غير مدركين لكل الأخطار التي ورطتهم بها منذ البداية الطبقة الحاكمة ومن تعاقب عليها. اليوم تحاول هذه الطبقة أن تنجو بنفسها وأن تضع المواطنين في مواجهة المصارف لتدمير الطرفين معاً، تدمير الناس وإفقارهم كي تبقى تحت سيطرة الزعيم والقائد وهو يسوِّق نفسه لدى جماعته بأنه المنقذ من خلال أمواله أو أموال مموليه، وتدمير المصارف كي تنتقم ممن تعتبرهم أسياداً لها في الخارج ومن أجل المزيد من السيطرة على القرار الاقتصادي اللبناني ووضع اليد عليه كما جرى وضع اليد على القرارين السياسي والأمني. في لبنان لا يكفي الحديث عن الأموال المنهوبة والتي يجري التفتيش عنها في الوطن والمهجر، بل يجب الحديث بالتحديد عن الودائع المصرفية المنهوبة فهذه معروف من ساهم بإهدارها وهؤلاء منهم من كان في الحكم ومنهم من لا يزال فيه وهم مسؤولون عن كل قرارات الصرف في الدولة وقطاعاتها ومساءلتهم ومحاسبتهم أمام قضاء مستقل، وحده الكفيل بإثبات براءتهم، فهؤلاء لا تنطبق عليهم قاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” بل ما ينطبق عليهم هو “المتهم مدان حتى تثبت براءته”.