Site icon IMLebanon

المصـارف ونصـرالله: شَـــك.. بلا رصيد

 

إستأثر موقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله من المصارف بالاهتمام، خصوصاً لجهة دعوته إياها عبر خطابه الأخير الى المساهمة في تحمّل أعباء الإنقاذ المالي والاقتصادي من خلال مبادرتها الى خفض الفائدة على الدين الممنوح للدولة، الأمر الذي فتح أبواب التأويل والاجتهاد على مصراعيها، في معرض محاولة تفسير ما ظهر وما خفي من رسالة «السيد».

 

كان لافتاً في هذا الاطار أنّ هناك مَن ذهب في تفسير كلام نصرالله الى حدّ اتّهامه بأنه يهدد القطاع المصرفي أو يحاول أن يملي عليه السياسات والخيارات المالية مرتكزاً على «وهج» السلاح، فما هي حقيقة الدوافع الكامنة خلف موقف الامين العام لـ«الحزب»؟ وأيّ أبعاد ينطوي عليها؟

 

يبدو كلام نصرالله منسجما في الاساس مع «العقيدة» الاقتصادية لـ«حزب الله» الذي ينحاز في أدبياته وسلوكياته الى جانب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ويدعو الى اعتماد أكبر مقدار ممكن من العدالة الاجتماعية في مقاربة الحلول المفترضة للأزمة الاقتصادية – المالية التي تواجه لبنان.

 

وعليه، يعارض «الحزب» بشدة أيَّ محاولة لتحميل القاعدة الشعبية، ولا سيما منها ذوو الدخل المحدود، أعباء المعالجات المفترضة لأزمة هم ضحاياها ورهائنها بالدرجة الاولى، في حين يراد «تحييد» المتسبّبين بها والمسؤولين عن تفاقمها نتيجة تراكم السياسات الخاطئة عبر عقود، وبالتالي فهو يطالب بتوزيع منصف لهذه الأعباء والمسؤوليات، تبعا لتوزّع القدرات والثروات.

 

وخلافاً للانطباع الشائع لدى بعض خصوم «الحزب»، فإنّ القريبين منه يؤكدون انه لا يحاول ترهيب المصارف واخضاعها لإملاءاته، ولا يسعى الى ضربها وتحجيمها، وانّ نصرالله لم يكن يقصد من وراء رسالته الواضحة اليها تهديدها بالويل والثبور وعظائم الامور، وهو الذي يعرف جيداً طبيعة لبنان وخصوصيته وموقع القطاع المصرفي في النظام اللبناني وتأثيره الكبير، من دون أن ينفي ذلك أنّ لديه عدداً من الملاحظات أو الانتقادات حيال بعض جوانب سلوك «الامبرطورية المصرفية» في لبنان.

 

و«حزب الله» الواقعي والبراغماتي في تعامله مع الواقع الداخلي وتركيبته المعقدة والدقيقة، يعلم أنه يستطيع أن يفرض على اسرائيل معادلات عسكرية استراتيجية وأن يحقق بفضل قوته توازن الردع معها، لكنه لا يستطيع في المقابل أن يفرض على المصارف أو غيرها أيَّ تدبير أو قرار، ما لم يكن مقروناً ومحصَّناً بالتوافق الوطني أو بموافقة الاكثرية المتنوّعة العابرة للطوائف.

 

لا يحتاج «الحزب» الى مَن يقنعه بأنّ قوته الهائلة ليست قابلة للصرف العشوائي في الداخل وأنه لا يمكن تسييلها نقداً سياسياً وفق «سعر الصرف» الميداني، وأنّ نفوذ المصارف يكاد يكون أوسع من نفوذه وأكثر تغلغلاً في جسم الدولة، وأنّ اقصى ما يمكنه فعله هو أن يوجّه النصح اليها او يضغط معنوياً عليها، انما من غير أن يملك القدرة على إلزامها بما يعتقد انه الصواب.

 

صحيح، انّ رسالة نصرالله الى المصارف تكتسب وزناً سياسياً نوعياً مستمداً من موقع «السيد» و«الحزب»، لكن الصحيح ايضاً أنّ أيّ قرار عملي يتعلق بمساهمة المصارف في كلفة الحل انما يحتاج إصداره وتنفيذه الى شراكة مع الآخرين والى إجماع أو اكثرية وازنة في مجلسي الوزراء والنواب، حيث يقاس حجم «الحزب» بعدد ممثليه وليس بعدد الصواريخ التي يملكها.

 

واللافت انّ المطالبة بمشاركة القطاع المصرفي في تسديد حصته من فاتورة منع الانهيار الاقتصادي والمالي لم تقتصر على نصرالله، بل إنّ هناك قوى وشخصيات سياسية عدة تتقاطع معه في هذا الاتجاه، ومن بينها الحليف والخصم له على حدٍّ سواء، ما دفع بعض المتحمّسين لـ«الحزب» الى التساؤل عن سبب التصويب نحوه حصراً، وإدراج طرحه في سياق التهويل على المصارف والسعي الى «تطويعها» لأجندته الاقتصادية والمالية، في حين «نجا» الآخرون من هذه التهمة، على رغم من انهم لديهم الإقتناع نفساً ويجاهرون علناً بضرورة أن تتحمل البنوك جزءاً من ثمن تخفيف عجز الموازنة والدولة.

 

بالنسبة الى المحيطين بـ«الحزب»، يُبيّن التدقيق الهادئ في ما طرحه نصرالله أنه يخدم المصارف ولا يؤذيها، لأنّ الانهيار لن يرأف بها او يستثنيها من «عقوباته»، وإذا كان العلاج للمأزق الاقتصادي سيرتّب عليها بعض العوارض الجانبية، فهذا لا يلغي جدوى الدواء والحاجة الى تجرّعه.

 

والاستنتاج الذي ينتهي اليه هؤلاء هو انّ شَك المصارف ورعاتها في نيات «الحزب» ودوافعه.. بلا رصيد.