فيما تابع مجلس الوزراء دراسة قوانين البرامج في مشروع موازنة 2017، كانت جمعية المصارف تسوّق لمجموعة أفكار بديلة من الإجراءت الضريبية التي تطالها، وهي إجراءات تعدّ بمثابة «رشوة» تدفع لسنة واحدة بدلاً من إجراءات ذات طابع دائم وتصحيحي للنظام الضريبي. محاولة هروب المصارف من الضرائب أوقعتها في فخّ توزيع كلفة الاقتراح بينها
لم تتوقف المصارف عن مواصلة الضغوط بهدف تجنّب الإجراءات الضريبية المقترحة في مشروع موازنة 2017. الجولة التي قامت بها لعرض «الظلم» اللاحق بها من هذه الإجراءات، على وزير المال علي حسن خليل ثم رئيس الحكومة سعد الحريري، وأمس رئيس الجمهورية ميشال عون، أسفرت عن مجموعة أفكار واقتراحات بديلة وأفكار يمكن تقديمها كـ«رشوة كبرى» للخزينة تدفع مرّة واحدة بدلاً من أي إجراءات يكون لها مفعول دائم، أو تشكّل تصحيحاً للنظام الضريبي.
بديل استثنائي
مصادر مقرّبة من الوزير خليل قالت إن الاقتراح الذي طرحته الجمعية ينص على الآتي: يحدّد وزير المال حاجته للتمويل لعام 2017 ولتوقعاته من الإجراءات الضريبية التي تصيب المصارف في 2017 أيضاً، والتي تبلغ 185 مليون دولار. وعلى أساس هذه الحاجات، تصدر وزارة المال سندات خزينة بالليرة وبالدولار تكون فائدتها أقل من فوائد السوق، ليكون الفرق في الفائدة موازياً للمبلغ المتوقع تحصيله من المصارف في الإجراءت الضريبية. وفي المقابل، تلتزم المصارف بشراء هذه السندات التي تصدر استثنائياً لمرّة واحدة فقط.
مبررات الجمعية لهذا الطرح أن «الأوضاع والظروف» لا تسمح بإقرار إجراءات ضريبية في هذه السنة، فيما اتفق على أن تكون موازنة 2018 هي الموازنة الإصلاحية، وبالتالي فإن إصدار السندات المخفضة الفوائد يتيح للخزينة الحصول على إيرادات إضافية استثنائية، في انتظار إقرار إصلاحات موازنة 2018 وصدور نتائجها.
تشجيع على «الرشوة»
وتقول المصادر إن وزير المال التزم بدرس هذا الاقتراح، إلا أنه أصرّ على أنه لا يحلّ محل التعديلات الضريبية التي يقترحها. لكن هذا الاقتراح بالذات ليس الفكرة الوحيدة المتداولة بين المصارف. وبحسب مصادر مصرفية، فإنه أثناء زيارة الجمعية لرئيس الحكومة سعد الحريري، تمنى الأخير عليها مساعدته على «التخلّص» من الإجراءات الضريبية المطروحة، التي تصيبها، وحثّها على تقديم بدائل لتعويض الخزينة وتسويق اقتراح يمكن أن يسهم في زيادة الضغط لإزالة هذا العبء عنها.
وتقول المصادر إن الأفكار التي تتداولها الجمعية لا تتمحور حول طرح السندات المخفضة، بل هناك أفكار أخرى مشابهة لما حصل يوم تنفيذ الهندسات المالية، إذ فرض حاكم مصرف لبنان على المصارف أن تكتتب بما يوازي 14% من قيمة العمليات الناتجة من الهندسات، بسندات خزينة بالليرة اللبنانية بفائدة 5%. وبالتالي، فإن الفكرة المطروحة أن يكون هناك خفض لهذه الفائدة.
وبحسب مصرفي شارك في اللقاء مع الرئيس عون، فإن طرح المصارف لم يتطرق إلى كل هذه الأفكار، بل كان محصوراً بالإحصاءات التي تشير إلى أن الإجراءات الضريبية ستؤدي إلى فرض ضريبة على المصارف الأكبر (12 مصرفاً) تتراوح بين 20% و30%، وعلى المصارف المتوسطة والصغيرة (14 مصرفاً) بنسبة تتراوح بين 40% و60%. وبالتالي فإن لائحة المصارف المعروضة للدمج والبيع ستكون طويلة، وستكون مكلفة على الخزينة.
على أي حال، فإن طرح المصارف المتعلق بالسندات المخفضة الفوائد، أصيب بالوهن أمس، إذ أشعل سجالاً بين المصارف حول آلية تنفيذه لو أقرّه مجلس ال وزراء. فالمطروح هو أن يكتتب كل مصرف بهذه السندات بما يوازي حجمه قياساً إلى موجوداته، إلا أن أحد المصرفيين اقترح أن تكون آلية توزيع الاكتتاب بالسندات الجديدة المخفضة الفوائد موازية لحصّة كل مصرف في سوق السندات، وبالتالي فإن المصارف الكبيرة التي ليس لديها محفظة كبيرة يجب أن تكون حصّتها أقل من غيرها من تلك التي تملك محفظة سندات أكبر.
والمعروف أن الإجراءات الضريبية التي تصيب المصارف هي على النحو الآتي: زيادة ضريبة الفوائد من 5% إلى 7%، وإلغاء تنزيلها من ضريبة الأرباح، أو زيادة ضريبة الأرباح من 15% إلى 17%، وإلغاء إعفاء توزيعات الأرباح على الأسهم المدرجة في بورصة بيروت بنسبة 10%.
في موازاة ذلك، خرج النقاش بشأن السلسلة والضرائب من مجلس الوزراء إلى اللجنة الثلاثية التي شكّلت أمس من الوزير خليل ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ووزير الاتصالات جمال الجراح. هذه اللجنة استعادت النقاشات التي دارت عام 2010 ضمن لجنة المال والموازنة بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على الموازنة، وهي لجنة كان خليل والجراح مشاركين فيها وعلى اطلاع على تفاصيل النقاشات. وقد جاء اقتراح تأليف هذه اللجنة من وزير الخارجية جبران باسيل أول من أمس، استناداً إلى النقاشات التي أجريت ضمن تكتل التغيير والإصلاح بحضور وزراء التيار وبعض النواب عن مشروع الموازنة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
على أي حال، عقدت لجنة خليل ــ كنعان ــــ الجراح اجتماعاً أمس في مكتب وزير المال، وناقشت أول فصل من مشروع موازنة 2017. أبرز ما نوقش المادة الخامسة التي توقف عندها مجلس الوزراء أول من أمس. وهي تجيز للحكومة الاقتراض ضمن حدود العجز المقدر في تنفيذ الموازنة والخزينة وإنفاق الاعتمادات المدورة والاعتمادات الإضافية وإصدار سندات خزينة… وبحسب المعطيات المتداولة، فإن الإجازة للحكومة شكّلت العقدة الاساسية في نقاشات لجنة المال والموازنة عام 2010، وقد تم الاتفاق على تعديلات تأخذ في الاعتبار ضبط الإجازة ووضع حدود وسقوف لاستدانة الحكومة.
كذلك درست اللجنة المواد المتعلقة بالهبات والقروض والرقابة المؤخرة عليهما، إذ إن النصّ المقترح في مشروع الموازنة لا يتيح هذه الرقابة، من خلال إخضاع الهبات والقروض لمشيئة الواهب والمقرض. وبالنسبة إلى المادة التاسعة من مشروع قانون الموازنة التي تشير إلى منح وزير المال صلاحية كانت بيد مجلس الوزراء لجهة نقل الاعتمادات من بند إلى بند ومن فصل إلى فصل ومن فقرة إلى فقرة، اتفق على أن تبقى هذه الصلاحية بيد مجلس الوزراء.
الأهم في هذا النقاش أن البند المتعلق بإدراج مبلغ 1200 مليار ليرة ضمن احتياط الموازنة لم يكن يذكر أنه مخصص لتسديد قيمة سلسلة الرتب والرواتب. وبالتالي اتفق على إدراج مواد قانونية إضافية تجيز للحكومة فتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة عند إقرار المجلس النيابي السلسلة.