حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ “السفير”: خطط تحفيزية تساهم بتحريك القطاعات الاقتصادية والنمو توقع نمو الودائع المصرفية 4.5% خلال 2016
رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير: يجب العمل لمعالجة عجز الموازنة لتقليص الدَّين العام القطاع المصرفي أساسي لصمود البلد والاستقرار المالي
المدير العام التنفيذي لبنك عودة سمير حنا: القطاع المصرفي كان وسيبقى المصدر لتمويل الاقتصاد
رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه: القطاع المصرفي ملتزم المعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال
هل الوضع النقدي اللبناني بخير؟
هل هناك خطرٌ على مدّخرات اللبنانيين في المصارف؟
أسئلة انهالت من كل حدب وصوب منذ تنفيذ «الهندسات المالية» الأخيرة لمصرف لبنان، مع العلم أن هدف هذه «الهندسات» هو زيادة احتياطات مصرف لبنان لتعزيز قدرته على حماية الليرة، في ظل الآفاق السياسية المقلقة. ولكن الإنسان عدو ما يجهل.
الجواب صريح وبسيط: عزّزت تدابير المصرف المركزي المشار إليها استقرار الليرة اللبنانية لفترة متوسّطة. ويمكن لهذا الاستقرار أن يدوم أكثر، إلا إذا استمرّ وتفاقم التوتّر السياسي وتعطّل المؤسّسات وتدهور المالية العامّة، وبقيت الفوضى مستبدّة في إدارة الشأن العام.
الجواب، إذن، هو عند القيادات السياسية.
أما القطاع المصرفي فمصيره مرتبط بمصير الدولة. إنه ثابت وقوي ومستمرّ طالما الدولة متماسكة ومستمرّة، وإذا انهار الكيان المالي للدولة لن يبقى في لبنان مصرفٌ ولا مصنعٌ ولا فرنٌ ولا مطعم ولا دارٌ للسينما…
الجواب أيضا لدى القيادات السياسية
نظام لبنان المصرفي، على عادته، صامد برغم العواصف العاتية التي تضرب البلاد. لكن شروط العمل المصرفي ليست بالسهولة التي كانت قائمة على مدى العقود الماضية، حتى في فترة الحرب الأهلية والحقبة التي تلتها. فالتحدّيات قائمة وجسيمة، وطريق المصارف ليست مفروشة بالرياحين، برغم رعاية مصرف لبنان الدائمة ومواكبته للتطوّرات.
ربحية مصارف لبنان كافية للوفاء بمستلزمات القواعد الدولية المفروضة عليها، وعلى سواها. ولكن نسبة الربحية تتراجع عاما بعد عام لأسباب، أبرزها، انخفاض معدّلات الفوائد وانحسار النشاط الاقتصادي وتراجع نموّ الموارد والتدفقات المالية من الخارج. بموازاة تراجع معدّل النموّ السنوي لأرباح المصارف تقلصت في السنوات الست الأخيرة نسبة المردود إلى الموجودات بمعدّل الثلث.
بالمناسبة، إن تراجع نموّ ودائع المصارف بالعملات الأجنبية لا يشكل تحدّيا للمصارف وحدها، بل هو، قبل المصارف، كابوس يقلق الدولة اللبنانية. فالودائع المصرفية بالعملات هي المصدر الوحيد لتمويل استحقاقات الدين العام بغير الليرة وتمويل جزء من العجز السنوي في مالية الدولة.
ما زالت نسبة نموّ الودائع بالعملات كافية، حتى الآن، لتمويل المستحقات المتزايدة سنويا لليوروبوندز، ولكن تراجع نموّ الودائع بالعملات يشكل انذاراً برسم القيّمين على شؤون البلاد والممسكين سياسياً بمقدراتها. بلغت زيادة الودائع بالعملات 12.6 في المئة سنة 2010، ولكنها تدهورت إلى 3.6 في المئة فقط في العام الماضي، ولم تتجاوز 2.3 في المئة في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري.
تراجع الواردات المالية من الخارج يعود أولاً إلى ضعف الثقة الخارجية بأوضاع لبنان السياسية والخوف من انعكاساتها الأمنية المحتملة، إضافة إلى حروب الجوار وتراجع الأداء الاقتصادي في الدول العربية المنتجة للنفط وفي العديد من بلدان العالم. هكذا، في السنوات الأخيرة، تقلّصت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة الثلث وتراجعت تحويلات اللبنانيين غير المقيمين بحوالي 7 في المئة، وتزامن ذلك مع تراجع الصادرات اللبنانية بنسبة 40 في المئة.
المصارف صامدة ومستمرّة بأداء وظائفها، بالاستناد إلى مقوّماتها الخاصّة، ولكن أيضا بدعم الدولة ومصرف لبنان، على ما تعانيه الدولة اللبنانية من ضعف ووهن، وذلك مقابل استعمال الودائع في تمويل عجز الدولة وتعزيز احتياطات مصرف لبنان.
حسب أرقام شهر تمّوز الماضي، بلغت إيداعات المصارف في مصرف لبنان أكثر من 76 مليار دولار، ووصلت التزامات الدولة تجاه المصارف إلى 36 مليار دولار. بمعنى آخر فإن التزامات القطاع العام مجتمعا للمصارف تعادل 60 في المئة من موجوداتها مقابل 30 في المئة للقطاع الخاص.
وإذا كانت هذه المعطيات مفروضة بحكم الواقع السياسي والاقتصادي، فإنها تعني أن القسم الأكبر من أرباح المصارف ناتج عن قروضها للدولة وإيداعاتها في مصرف لبنان. هذا جدير بجعل الرؤساء التنفيذيين في المصارف ينظرون بمقاربة جديدة إلى دورهم ويقرّون بأنهم أصحاب دور عادي في المنظومة الاقتصادية وأنهم ليسوا صنّاع معجزات. انهم يديرون عملية سهلة وبسيطة ومرسومة لهم، بحماية مصرف لبنان ورعايته، ولقاء عائدات بالغة الكرم.
وهذا يطرح عليهم زيادة الالتزام الاجتماعي للمؤسّسات المصرفية، طالما أن القطاع العام هو مصدر رئيسي لأرباحها، كما يطرح إمكانية وضع سقوف عليا لمخصّصات المصرفيين الكبار، باعتبار أن قسما من هذه المخصّصات يتحمّلها المجتمع اللبناني، عبر الضرائب أو زيادة الدين العام.
بعد انفجار الأزمة المالية العالمية قبل ثماني سنوات، سادت موجة عالمية عارمة ترمي إلى الرقابة على مخصّصات الرؤساء التنفيذيين في المصارف، ووضع سقوف لها وقواعد لضبطها. هذا في بلدان تنبع أرباح مصارفها من النشاط الخاص، فكيف في لبنان حيث الأرباح من دولة على شفير الإفلاس؟
هذه المسألة تستحق المتابعة.