IMLebanon

مصرف لبنان يحاول لجم انهيار الليرة

 

باتت الكتلة النقدية الضخمة بالليرة تشكّل ظاهرة مَرَضية بالنسبة الى الوضع المالي، حيث يواصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء الارتفاع المضطرد. هذه المشكلة يحاول مصرف لبنان التخفيف من وطأتها من خلال التعميم 573. فهل ينجح؟

أصدر مصرف لبنان يوم الجمعة الماضي تعميماً وسيطاً رقم 573 للمصارف وللمؤسسات المالية، اضاف فيه الى نصّ المادة 14 من القرار الاساسي رقم 6116 تاريخ 7/3/1996 المقطع سادساً مكرّر التالي نصّه: «يقوم العميل بتسديد النسبة المطلوب تغطيتها وفقاً لاحكام هذه المادة الى المصرف المعني بالليرة اللبنانية على اساس سعر الصرف المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (1507,5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد)، على ان يقوم المصرف بإيداعها، اوراقاً نقدية (banknotes) في مصرف لبنان، بغية تأمين العملات الاجنبية اللازمة لعملية الاستيراد».

 

هذا التعميم فعلياً يطال مستوردي السلع المدعومة إن كان الادوية، المحروقات والقمح، على سعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة، أو مستودري المواد الغذائية المدعومة على سعر الصرف الذي حدّده مصرف لبنان عند 3900 ليرة، لأنّ هؤلاء التجار ملزمون تأمين نسبة 85 في المئة من قيمة السلع المستوردة بالليرة اللبنانية على سعر الصرف المدعوم، وبالتالي يطلب منهم مصرف لبنان، من خلال هذا التعميم، تأمين هذه النسبة نقداً، وليس من خلال الشيكات المصرفية كما درجت العادة.

 

ما الهدف من التعميم؟

يسعى مصرف لبنان من خلال هذا التعميم الى امتصاص الاوراق النقدية بالليرة اللبنانية التي ضخها في السوق، نتيجة طبع العملة، والتي ساهمت في زيادة نسبة التضخم الى مستويات قياسية وادّت الى مزيد من التدهور في سعر صرف الليرة، حيث قام مصرف لبنان بطباعة ما قيمته 13 الف و180 مليار ليرة من الاوراق النقدية بالليرة اللبنانية خلال الاشهر التسعة الاولى من العام الحالي، وهو رقم يفوق ما تمّت طباعته من عملة محلية في الفترة الممتدة من العام 1977 لغاية العام 2019.

 

ويؤكّد الخبراء، انّ مصرف لبنان يهدف الى تقليص حجم الكتلة النقدية الورقية بالليرة اللبنانية في السوق، من اجل خفض الضغط على سعر الصرف في السوق السوداء بعد ان أدّى إغراق السوق بالعملة المحلية المطبوعة حديثاً الى زيادة الطلب على الدولار وخفض سعر صرف الليرة بشكل أكبر. وبالتالي، فإنّ هذه العملية قد تضبط نوعاً ما، وبنسبة بسيطة، التدهور الحاصل في سعر صرف الليرة اللبنانية.

 

في المقابل، يعتبر المعنيّون انّ هذا التعميم لن يستمر تطبيقه لفترة زمنية طويلة، وسيتراجع عنه مصرف لبنان عاجلاً ام آجلاً، الى حين امتصاص فائض السيولة بالليرة اللبنانية من السوق، مشيرين الى انّ هذه الآلية ستمتصّ الكمية المستهدفة من الاوراق النقدية، وبسرعة كبيرة.

 

تداعيات التعميم

في التداعيات السلبية التي سيخلفها تطبيق هذا التعميم، ونتيجة رفض المصارف قبض أي شيكات مصرفية من قبل المستوردين، فإنّ المستوردين أنفسهم سيفرضون على التجار تسديد قيمة كافة البضائع التي يتمّ تسليمها لهم بالليرة اللبنانية نقداً، من اجل تأمين النسبة المطلوب تغطيتها، لإتمام عمليات الاستيراد على سعر الصرف المدعوم. وبالتالي، سيبدأ التجار، خصوصا أصحاب محطات المحروقات الذين يملكون الكتلة النقدية الاكبر من الليرة اللبنانية، بالاضافة الى تجار المواد الغذائية والصيدليات، رفض كافة طرق الدفع عبر الشيكات المصرفية او البطاقات الائتمانية بالليرة اللبنانية، وحصرها فقط بالمبالغ النقدية.

 

واذا كان الاقتصاد اللبناني «المدولر» بات منذ بدء الأزمة، اقتصاداً نقدياً يعتمد فقط على الـcash money، فإنّ ما تبقى من تعاملات كانت تتمّ بين التجار عبر الشيكات المصرفية او البطاقات الائتمانية بالليرة، ستصبح أيضاً تعتمد بشكل كامل على الليرة النقدية. وبالتالي سيصبح هناك، بالاضافة الى الدولار الحقيقي والدولار الوهمي والليرة اللبنانية التي يتمّ التداول بها حالياً، عملة جديدة هي الليرة الوهمية ايضاً، وهي الليرة المحتجزة في المصارف على غرار الدولارات المحتجزة.

 

في هذا الاطار، لفت عضو نقابة أصحاب المحطات في لبنان ​جورج البراكس، الى انّ هذا التعميم الذي يفرض تسديد المبالغ المطلوبة لفتح اعتمادات من اجل الاستيراد، سيخلق مشكلة لمنشآت النفط، التي لا تتعامل بالاموال النقدية، بل حصراً بالشيكات المصرفية. متسائلاً إن كان لهذا التعميم علاقة بإقفال منشآت النفط في طرابلس والزهراني. مؤكّداً من جهة اخرى لـ«الجمهورية»، انّ موضوع التقنين في تسليم المحروقات سيبقى قائماً، الى حين ايجاد حلّ جذري للأزمة، لأنّ مصرف لبنان قلّص عدد الاعتمادات التي يفتحها من اجل استيراد المحروقات، بهدف اطالة مدّة الدعم، مشدّداً في المقابل على انّ انقطاع المحروقات بشكل كامل ليس بالامر الوارد