Site icon IMLebanon

ولائم «الصدفة».. في زمن التمديد

ليس من عادة اللبنانيين ان يتشاركوا مع اصحاب الفخامة والمعالي والسياسيين «لقطات» مما يحدث داخل المنازل والفيلات الفخمة. حتى في عزّ فورة مواقع التواصل الاجتماعي، كان أقصى ما يمكن ان يصل الى المسامع «خبرية» عن غداء او عشاء تجمع عيّنة من اصحاب الشأن من رؤساء ووزراء ونواب وقضاة وضباط… نوعية المدعوين الى طاولة واحدة تفرض ذلك، إضافة الى الحرص الكلاسيكي على سرّية الجلسات وعلى تجنب ربط توقيتها بأي استحقاق او معطى سياسي. لكن للقاعدة استثناء. فكيف إذا كانت الرسالة مباشرة ومقصودة!

أمر واحد طغى يوم السبت الماضي على «ثورة» ميشال عون. تقصّي الحقيقة حول شريط الصور التي انتشرت على مواقع التواصل وتجمع عددا من السياسيين والشخصيات، بينهم قائد الجيش العماد جان قهوجي والسفير السعودي علي عواض العسيري والوزراء سمير مقبل ونهاد المنشوق وأشرف ريفي، في دارة الرئيس ميشال سليمان في لحفد.

يوم الاحد ازداد منسوب «الاكشن». جولة استطلاع في الوجوه غير السياسية التي احاطت بالعماد قهوجي وهو يفتح قنينة الشمبانيا، واضعا السيجار في فمه، والى جانبه قالب كاتو كبير بدا شعار الجيش واضحا عليه وبعض الكلمات المكتوبة، زبدتها «عقبال الرئاسة». الصورة من غداء دعا اليه عضو المؤسسة اللبنانية للانتشار فادي رومانوس في منزله في فقرا. تخصيص تلفزيون «او تي في» فقرة لدقائق يستعرض فيها الردود على «الوليمتين» وعلى «احتفال الشمبانيا» كرّس شخصنة المعركة مع قهوجي الى حدّ كبير من خلال إسقاط كافة الخطوط الحمر في تعامل فريق سياسي مع قائد الجيش.

وفق المعلومات، الغداء لم يكن على شرف قائد الجيش، بل أن نجوم المناسبة هم مطران وبعض أركان السفارة الاميركية، فيما العدد الاجمالي لعدد المدعوين كان نحو 20 شخصا.

في اللحظة الاخيرة يوم الاحد، اتصل قائد الجيش بصاحب الدعوة وأشار الى احتمال تلبيته الدعوة من دون إعطاء الجواب النهائي، وكان قهوجي آخر الواصلين عند الساعة الثانية والنصف.

وتأكيدا على ان المناسبة لم تكن احتفاء بالتمديد ولم يكن قهوجي المقصود بها فقد حضر وحده من دون زوجته او أحد أولاده، حتى ان أصدقاءه لم يكونوا موجودين.

أحد الحاضرين أكد ان «المناسبة هي كغيرها من المناسبات التي يحضرها قائد الجيش. وصاحب الدعوة قرّر مفاجأة العماد قهوجي بقالب الحلوى قبل مغادرته، وحين همّ رومانوس بفتح قنينة الشمبانيا لم يتمكّن من ذلك فطلب من الاول مساعدته فتولّى الامر»، مستغربا توظيفها في «لقلقات رخيصة» أظهرت وكأنها في معرض الردّ المباشر على ميشال عون.

اللقطات اليتيمة الوحيدة لهذا الغداء سرّبت من دون معرفة مصدر التسريب، بعكس غداء لحفد الذي تكفّل مستشار ميشال سليمان الاعلامي بشاره خيرالله نشرها على صفحته على فايسبوك.

يؤكد خيرالله ان «الدعوة وجّهت الى المدعوين قبل شهر، وبالتالي سيكون صعبا ربطها باستحقاق تأجيل التسريح للقادة الضباط الذي حصل يوم الخميس الماضي»، مشيرا الى انها «ليست ردّا على أحد. فإذا كانت الدعوة حصلت قبل شهر ومؤتمر عون الاستثنائي اعلن عنه قبل يومين فقط من حصوله، فكيف يمكن الحديث عن رسالة سياسية؟».

وبما ان القصة تكمن في التسريب وليس في لقاء الغداء بحدّ ذاته الذي يكاد يتكرّر بشكل شبه يومي على موائد السياسيين، يتبيّن من عملية رصد صفحة مستشار سليمان ان خيرالله ناشط فايسبوكي بامتياز يتكفّل عادة بالقيام بـ «نقل مباشر» لما يحصل في اليرزة وعمشيت، مع التسليم طبعا بأن ثمة موائد او لقاءات سياسية يصدر الامر الواضح بعدم إخراجها من داخل الجدران.

«هيدا جوّنا هيدا نحن»، يقول خيرالله، مشيرا الى نظرية «اسحق نيوتن حول ضرورة ان يركن الانسان الى أوقات راحة بعيدا عن ضغط الحياة اليومية. لقاء الغداء لم يأت ضمن اي إطار سياسي بل مجرد جَمعة للترفيه عن النفس، وبالاخص هو لم يأت احتفالا بتمديد لم نكن نعلم بمصيره حين وجّهت الدعوات قبل شهر».

مع ذلك، كان ثمّة استحالة لدى الجانب العوني التسليم بنظرية «التسريب البريء»، خصوصا ان الشهية على التسريب فتحت بقوة في اليوم التالي بنشر صور من اصل عشرات كان قهوجي قاسمها المشترك. اشتعل العالم الافتراضي غضبا.. وتزريكا، ووجد الكلام الكبير مكانا له على صفحات بلا رقابة.

ليس في هذا المشهد سوى الدليل الذي يجرّ الازمة السياسية أكثر فأكثر صوب الزواريب وحروب النكايات و «التزريك».

ومع بروز جمهور، رصدته مواقع التواصل، منقسم بين «جبهة» وجدت في الصور ما يشفي غليلها للردّ على النبرة القاسية التي طبعت مؤتمر عون، وأخرى لم تصنّفها إلا في إطار تصفية الحساب والامعان في الاستفزاز، خصوصا أنه يصعب في الاحوال العادية رصد صورة لقائد الجيش يفتح الشمبانيا، فكيف في ظرف دقيق وخطير كالذي يمرّ به الداخل، فإن للحياديين رأيهم أيضا وملاحظاتهم.

هؤلاء يشيرون أولا الى عدم صدور بيان توضيحي من اي جهة بشأن الصور يزيل الالتباس الحاصل. وثانيا ان العديد من اللقاءات والمناسبات والموائد تحصل أحيانا تحت عنوان «سرّي جدا»، وبالتالي لو كان هناك نية لأصحاب الدعوة في لحفد او فقرا واصحاب المراكز الحسّاسة من بين المدعوين، بإبقاء «العزيمة» خارج الاضواء لحصل ذلك فعلا ومن دون خلل في التنفيذ.

الفريق نفسه يؤكّد في المقابل «لا يجب محاكمة قائد الجيش، حتى بالصُور، بسبب قرار هو سياسي بالدرجة الاولى ولا علاقة لقهوجي به إلا من باب تنفيذه…»