توالي الطعون والحديث عن تمويل إنتخابي يظلّلان الأجواء
على وقْع الطعون واشتداد حدّة التحالفات السياسية، أرجئت انتخابات نقابة المحامين في بيروت رسمياً إلى التاسع عشر من الشهر الجاري. فنصاب الجمعية العامة العادية، التي عُقدت دورتها الأولى البارحة في قصر العدل، لم يكتمل. الأحزاب أعلنت عن مرشّحيها وسط تداوُل معلومات عن تمويل غير مخفيّ المصدر، هنا وهناك، ولأهداف تُثار حولها علامات استفهام. ويبقى السؤال الأبرز: هل يحرص المحامون على تحكيم الضمير المهني منعاً لتكرار مشاهد إنتخابات سياسية الطابِع داخل نقابة العدالة والقانون؟
باب الترشيحات أغلق على 15 مرشّحاً، من بينهم 11 تقدّموا بترشيحٍ للعضوية ولمنصب النقيب معاً، حيث سيتمّ انتخاب ستة أعضاء منهم (النقيب ضمناً). وبعد أن قام مجلس النقابة بدراسة طلبات الترشيح وقبولها، أصدر بتاريخ 09/10/2023 قراراً اعتبر فيه أن العضوين الخامس والسادس يكملان ولاية العضوين المستقيلين (ألكسندر نجار ووجيه مسعد، اللذان تقدّما باستقالتهما من عضوية المجلس كي يتسنّى لهما الترشّح لمركز النقيب)، لعدم جواز المنافسة على مركز النقيب خلافاً لما ورد في قانون تنظيم المهنة. ذلك أن ولاية العضوين المذكورَين ستنحصر بسنة واحدة، في حين أن ولاية النقيب تمتدّ لسنتين. قرارٌ رأى فيه البعض نسفاً لمبدأ اعتماد القرعة في تعيين العضوين، ما دفع بكل من المحامين فريد الخوري، ألكسندر نجار وابراهيم مسلّم إلى تقديم طعن أمام محكمة الاستئناف القضائية برئاسة القاضي أيمن عويدات. وهناك طعن آخر تقدّم به المحاميَين جاد طعمه ونجيب فرحات اعتراضاً على التصويت الإلكتروني واقتراح رفع قيمة الرسم السنوي وتحديده بالدولار الأميركي، كما حرمان العضوين الخامس والسادس من حقّهما في الترشّح لمركز النقيب. فكيف ستنعكس الطعون على سَير الحملات والعملية الانتخابية، وكيف يبدو المشهد العام عشيّة الانتخابات من وجهة نظر الطاعنين؟
خلْط حسابات
البداية مع المرشّح لعضوية مجلس النقابة ومنصب النقيب، المحامي فريد الخوري. فقد شرح لـ»نداء الوطن» خلال لقاء في مكتبه أن الطعن مبنيّ على نقطتين أساسيّتين: عدم إمكانية مجلس النقابة من حرمان أي عضو منتخب من الترشّح لمركز النقيب حيث ذهب المجلس إلى أبعد من صلاحياته من خلال تعديل غير معلنٍ للقانون؛ والإطاحة بمبدأ القرعة الذي نصّ عليه القانون وما زال يُطبَّق منذ تأسيس النقابة. «تقدّمنا بالطعن خدمة للقانون لأن المضيّ في هذ القرار يمكن أن يحوّله إلى اجتهاد يُحتذى به لاحقاً. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يترشّح فيها أعضاء من داخل مجلس النقابة لمركز النقيب من دون أن يحرموا من حقّهم».
لكن ما تأثير هذا القرار على نتائج الانتخابات في حال تطبيقه، لا سيّما وأن لبعض الناخبين حسابات ضيّقة ومدروسة؟ «عادة كنّا نشهد ترشّح 4 أعضاء، مثلاً، لمركز النقيب يقابلهم 12 للعضوية. أما اليوم، فالأرقام معكوسة. لدينا 11 مرشّحاً لمركز النقيب مقابل 4 للعضوية. وإذا حصل مرشّحو العضوية على أصوات غالبية الناخبين، يمكن أن يحصدوا أصواتاً أكثر من المرشّحين لمركز النقيب. لذا، قد لا يعطي الحريصون على مرشّحهم لمركز النقيب صوتاً ثانياً لأحد مرشّحي العضوية خشية من التقدّم على النقيب الذين يحاولون إيصاله». الخوري اعتبر أن لا عدالة في قيام بعض المرشّحين بحملاتهم الانتخابية وهم جالسين على طاولة المجلس النقابي ومتمتّعين بالسلطة النقابية، بينما يبدأ مرشّحون آخرون مشوارهم الانتخابي من الصفر. وختم معرباً عن أمله في أن يُثبت المحامي أنه ناخب مختلف عن الناخب السياسي اللبناني ويحسن الاختيار، لأن من سيتمّ اختياره لقيادة السفينة مؤتمن على صحة ومهنة وحصانة كافة المحامين. «هذه ليست مجرّد حملة انتخابية وتنتهي، بل مسار طويل لا بدّ وأن يستمر».
نقيب «صامت»؟
المحامي ابراهيم مسلّم، المرشّح لمركز النقيب، رأى في اتصال مع «نداء الوطن» أنه لا يمكن تقدير تأثير قرار مجلس النقابة على نتائج الانتخابات، لكن الخطورة تكمن في الخلفية التي اتُّخذ فيها القرار والتي تحرَّك على أساسها المجلس حسماً للموضوع. «رغم مداولات المجلس السرية، علِمنا أن بعض الأعضاء ارتأوا أخذ القرار تاركين للمحكمة البتّ به، ما يضع النقابة تحت وصاية الأخيرة. لكننا نقابة حرّة ومنظّمة بقانون داخلي ولسنا تعاونية لنخضع للرقابة. فليس من وصيّ على مجلس النقابة سوى المحامين والجمعية العمومية، وما حصل يصبّ في خانة التعدّي على الصلاحيات». وأشار مسلّم إلى أن القانون الذي على أساسه قدّم المحامون ترشيحاتهم واضح وصريح، ومن غير المقبول إقفال باب الترشيح لمركز النقيب أمام البعض خاصة بعد تسديدهم رسوم الترشّح. وإذ وصّف القرار بالسابقة في تاريخ النقابة، دعا إما لإلغاء المادة 45 ذات الصلة أو تطبيقها كي لا يتحوّل القانون إلى وجهة نظر.
عن سَير الحملات الانتخابية، أسف لوجود هجمة غير مسبوقة من قِبَل الأحزاب المسيحية لافتاً إلى تمويل بعض المصارف أحزاباً تموّل بدورها مرشّحين. الهدف من ذلك انتخاب نقيب «صامت» وجعْل النقابة أداةً في يد الأحزاب لجماً لتدخّلها في ملف الأزمة المصرفية. «رغم ذلك، أراهن على صناديق الاقتراع حيث سيُعبّر المحامون عن معاناتهم التي يجب أن تستنهض روح المسؤولية والوعي والتضامن الداخلي، خاصة وأن المحامي هو من أكثر المتضرّرين من الأزمة العاصفة بالبلد». وختم داعياً الزملاء للتضامن والتكاتف كي تبقى النقابة المنارة التي يطلّ من خلالها اللبناني على العالَم بإسم الحقّ والقانون بالرغم من الشوائب.
مركز مهنيّ… لا سياسيّ
نبقى مع المرشّحين لمركز النقيب وهذه المرة مع الدكتور ألكسندر نجار. في حديث لـ»نداء الوطن»، أوضح أن المعركة الانتخابية محتدمة وأن التحالفات لا تزال قائمة رغم الأجواء الضبابية السائدة لجهة حجم بعض الأحزاب الفعلي وقدرتها على التأثير على قناعات المحامين المحازبين، من جهة، وقوة المحامين المستقلّين على الأرض، من جهة أخرى. «على الصعيد الشخصي، ألاحظ تعاطفاً كبيراً وثقة لدى الزميلات والزملاء من كافة المناطق. كما ألقى دعماً من مختلف الأطراف بأنّي قادرٌ على النهوض بمهنة المحاماة رغم الصعوبات التي يعاني منها البلد». تعدُّد الترشيحات لمركز النقيب لافت، بحسب نجار، إلّا أنه دليل ديمقراطي خصوصاً وأن انتخابات النقابة لطالما جرت في مناخ ديمقراطي سليم.
نسأل عن التدخلات السياسية ودعم الأحزاب المسيحية لمرشّحيها، ويجيب: «مركز النقيب ليس سياسياً، بل هو مهني بامتياز. أرى أن العديد من المحامين أحرارٌ في خياراتهم ولن ينتخبوا إلّا الأفضل في نظرهم. مؤسف ما نسمعه عن تمويل جهات معيّنة لبعض المرشّحين عن طريق الأحزاب ما سيؤثّر حتماً على استقلالية المرشّح، بيد أنّي أؤكّد استقلاليّتي «على راس السطح» وانفتاحي، من مسافة واحدة، على الجميع». وإذ استبعد نجار انسحاب أي مرشّح قبل أسبوعين من الاستحقاق بعد بذْل المرشّحين لمختلف الجهود، شدّد على أن انسحابه غير وارد إطلاقاً وأنه سيخوض المعركة حتى النهاية، مراهناً على ذكاء الزملاء ووَعْيِهم وحرصهم على مستقبل المهنة.
القانون فوق الإجتهادات
بعيداً عن المرشّحين، واستكمالاً مع الطعون المقدّمة، يشرح المحامي الدكتور جاد طعمه لنا أن استئناف قرار مجلس النقابة الذي تقدّم به وزميله المحامي نجيب فرحات الشهر الماضي – والمتعلّق بتحديد آلية تطبيق جدول أعمال الجمعية العامة الحكمي – جاء اعتراضاً على مسائل ثلاث. الأولى، اعتماد آلية التصويت الإلكتروني على البيانات المالية النقابية ولإجراء الانتخابات، لافتاً أن الاعتراض ليس وليد اللحظة. «منذ العام 2018، حين تقرّر اعتماد هذا النظام، كنت ونقيب المحامين السابق، الراحل عصام كرم، نسجل سنوياً في ديوان النقابة اعتراضاً على اعتماده نظراً لحساسية مضمون البيانات المالية. لكن قرّرنا هذه السنة التوجّه إلى القضاء خصوصاً بعد تجربة العام 2021 السيئة حين كنت مرشّحاً لعضوية المجلس وحصل لغط كبير خلال انعقاد الجمعية العامة قبل إعلان النتائج». وتساءل طعمة عن أسباب تعيين النقيب الحالي خبيراً تقنياً لمراقبة نظام التصويت الإلكتروني لو كانت الأمور بخير، مذكّراً بما كشفه النقيب علناً خلال لقائه أعضاء الجسم المهني عن دخول أحد مندوبي النقابة العام الماضي مع المقترع إلى خلف الستار العازل، ما يُعتبر خرقاً فاضحاً لمبدأ سرّية التصويت والاقتراع ويطرح ضرورة إيجاد علاج جذري للإطمئنان على سلامة التصويت.
المسألة الثانية تتعلق بمقترح تعيين قيمة الرسم السنوي بالدولار الأميركي، حيث أشار طعمه إلى وجوب تحديده بالعملة الوطنية منعاً للانزلاق نحو الدولرة الكاملة. «نحن نركن إلى أحكام قانون النقد والتسليف وليس إلى الواقعية التي ستؤدّي إلى مخالفة كل أحكام القوانين الإلزامية. فماذا نفعل لو واصل النقد الوطني تدهوره في ظل غياب أي تدبير من حاكمية مصرف لبنان؟». وبالنسبة للمسألة الثالثة، فهي تتمحور حول منْع العضوين الخامس والسادس من الترشّح لمركز النقيب، حيث أعرب طعمه عن التمسّك بالوجهة القانونية التي تمّ الإدلاء بها سنة 2019، رافضاً الرضوخ لاجتهادات تجافي أحكام القانون. «منطلقات تقديم الطعن هي بحت قانونية رغم محاولات شيطنة تصرّفاتنا. فكل معارض بات يواجَه مؤخراً بمفهوم «وجوب حبّ النقابة» والابتعاد عن الشعبوية، التي قد يكون مطلقوه أكثر من يعتمدونها. حبّنا للنقابة يدفعنا إلى الحرص على تطبيق القانون لا سيّما لدى وضوح النص… حينها يجب الابتعاد عن اجتهادات بعض المحاكم والقضاة من أصحاب السطوة والطموح».
أيّاً كانت الاختلافات، غير أن جميع المحامين يتحوّلون إلى حزب واحد أمام قصور العدل: «حزب النقابة الجامعة والمحافِظة على كرامة المهنة وسمعة المحامي»، بحسب طعمه. الجميع، من حيث المبدأ، سيخضعون لنتيجة العملية الديمقراطية في 19 تشرين الثاني وستتضافر الجهود لما فيه خير النقابة. أما مسلسل الطعون والاعتراضات، فسيتوقّف مستقبلاً على شخصية النقيب المنتخَب ومدى تقبّله للنقد الموضوعي والعلمي ورحابة صدره في العودة عن أي قرار داخلي خاطئ بعيداً عن سياسة التمييز واعتماد المعايير المزدوجة – وهي سمات القيادي الناجح والواثق من قدراته. وإلّا، كما يتداول المعنيّون، فجولة جديدة من الطعون!