عشرة أيام تفصل عن انتخابات عضوية مجلس نقابة المحامين في بيروت. «بيت المحامي» تحوّل إلى خلية نحل يتبارى فيها المرشحون. وفيما يترقب المرشحون تحالفات الأحزاب، تحوّلت حفلات العشاء إلى عرض عضلات انتخابية
لا يتّفق اثنان في نقابة المحامين في بيروت على الأسماء الأربعة المرتقب فوزها بالمعركة على عضوية مجلس النقابة في العشرين من الشهر الجاري. ورغم اعتبار البعض أنّ النتائج محسومة سلفاً، يُظهر الغوص في التفاصيل نشاطاً استثنائياً لمرشحين قد يقلب النتائج ويعاكس التوقعات، ولو عبر خرق في مقعد واحدٍ من المقاعد الأربعة المتنافَس عليها.
لذلك يتعاطى المرشحون، وحتى الأقوياء بينهم، كما لو أن المعركة «على المنخار» وقد يغيّر نتائجها صوت واحد، ما يزيد من حماوتها. ويبرز التنافس أساساً في ولائم العشاء التي تعد في هذا التوقيت بمثابة عرض عضلات انتخابي لاظهار أحجام المرشحين انتخابياً.
حتى اليوم، رست بورصة الترشيحات على أربعة عشر مرشحاً (٩ مسيحيين و٥ شيعة)، بعد انسحاب المحامين عماد مارتينوس وجورج نخلة وروجيه طنوس. وفيما يتردد أن اليومين المقبلين قد يشهدان مزيداً من الانسحابات، يترقب بقية المرشحين تموضعات الأحزاب السياسية. فالتحالفات لم تنضج بعد. وكل مرشح يجهد لاستقطاب رافعة حزبية تكون جواز سفره إلى مجلس النقابة، علماً أنّ التعويل أصلاً هو على قدرة المرشّح على استقطاب العدد الأكبر من المستقلين، تضاف إليها الرافعة الحزبية.
ولعل ما يميّز الانتخابات الحالية «الضبابية» التي أحدثها اعتماد التصويت الإلكتروني الذي ألغى تأثير الأحزاب على الناخبين في يوم الاقتراع، وصعّب على الأحزاب دراسة نتائج الانتخابات سلفاً، كما كان يحصل سابقاً عندما كان المندوبون يسجلون أسماء المحامين وخياراتهم على طاولات رؤساء الأقلام. ورغم معارضة الأحزاب للتصويت الإلكتروني وتسجيل النقيب الأسبق نهاد جبر تحفّظه باعتباره «بدعة» تفتح باب الطعن في شرعية الانتخابات ونتيجتها لمخالفته قانون تنظيم المهنة، واقتراحه التصويت الإلكتروني مع التصويت الورقي أو الفرز الإلكتروني بديلاً، إلا أن مجلس النقابة ارتأى السير في التصويت الالكتروني باعتباره «يحافظ على شفافية الانتخابات ونزاهتها».
يتعاطى المرشحون، وحتى الأقوياء بينهم، كما لو أن المعركة «على المنخار»
في المعركة الانتخابية الحالية، يتّفق عدد من المحامين على أنّ «تشرذم» الصوت الشيعي بين خمسة مرشحين شيعة يكاد يعدم حظوظهم لأنه يشتت أصوات المقترعين من باقي الطوائف. رغم ذلك، فإنّ الأوفر حظّاً بين المرشحين الخمسة هما المرشحان علي عبدالله وأسماء حمادة. ورغم أن أي حزب مسيحي لم يتبنَّ علناً أي مرشح شيعي بعد، باعتبار أن الرائج هو أنّ الشيعي الذي «يُشنغل» مسيحياً يفوز، يعوّل عبدالله المدعوم من حركة أمل على جملة تحالفات تعزز حظوظه في الفوز. وبحسب مصادر المحامين، تحرص حركة أمل على التحالف مع التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. كما أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الوطنيين الأحرار أبلغا المرشح عبدالله دعمه. إلا أن فرص فوز عبدالله مرتبطة بما سينتج عن المفاوضات مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب. وفيما ترى المصادر نفسها أن المصالح الانتخابية تقضي بتجيير أصوات التيار الوطني الحر لمرشح حركة أمل، يلفت محامون الى أنّ التيار البرتقالي يبحث في احتمال سحب مرشحه ربيع معلولي، للتركيز على خوض معركة النقيب العام المقبل، بعد اختيار مرشح مستقل لدعمه حالياً. وبذلك يسلّف حركة أمل دَيْناً يسترده العام المقبل بالتصويت لمرشحه الذي سيخوض معركة النقابة.
وفيما فرص فوز عبدالله معلقة بالرافعة الحزبية، تنشط المرشحة أسماء حمادة بقوة في أوساط المحامين المستقلين بفعل نشاطها سابقاً في عدد من اللجان (رئيسة لجنة المرأة في النقابة منذ ١٢ عاماً). وقد ظهر ذلك من خلال نتائج الانتخابات السابقة التي خاضتها. وتوقعت حمادة أن تنال أصوات المحامين الحزبيين الذين يؤيدون وصول مرشح شيعي مستقل إلى مجلس النقابة، وأكدت لـ «الأخبار» أن «المستقلين هم الرافعة الأساسية في انتخابات نقابة المحامين». وتعوّل حمادة على اتفاق الناخبين الشيعة على التصويت للمرشح الأقوى وصاحب الحضور الأكبر لإيصاله حفاظاً على التمثيل الشيعي في مجلس النقابة، بعيداً عن الشخصانية والأنانية.
المرشح الشيعي الثالث عباس صفا، وإن كانت حظوظه أقلّ من زميليه حتى الآن، قام بجملة زيارات، إن أثمرت، قد يُعوَّلُ عليها لتُحدِث فرقاً.
وفيما يتقدم السباق الانتخابي، أقله على ألسنة المحامين، كل من المرشحين اسكندر الياس وعبدو لحود، تبقى هوية المرشَّحَين الآخرين الأوفر حظاً مجهولة نسبياً. وإذ يتردد أنّ جورج اسطفان وإيلي بازرلي ووجيه مسعد من المرشحين الأقوياء، تقدم مصادر مراقبة للانتخابات قراءة مختلفة متحدثة عن مفاجآت، سواء على صعيد المرشح الشيعي أو الكتائبي. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر المحامين أن حزب الكتائب لم يُحدد إذا ما كان سيمنح أصوات محاميه إلى مرشح شيعي، بينما ترى مصادر مقابلة أن «الكتائب» منهمك في الإعداد لمعركة مرشحه الأساسي جورج أسطفان، بعد فضيحة الصندوق التعاوني (في عهد النقيب جورج جريج المحسوب على الكتائب) في قضية التأمين الذي وضع نقابة المحامين تحت عجز لا يقل عن 2,5 مليون دولار. رغم ذلك، يبقى اسطفان من المرشحين الأقوياء. أما المرشح نجيب ليان الذي يحوز دعم عدد من النقباء السابقين، فأكد لـ «الأخبار» أن «للمستقلين كلمتهم هذه المرة. وما من أحد منهم راضٍ عن الوضع في النقابة»، لافتاً الى أن «لعنة هيمنة الأحزاب على النقابة تشبه لعنة يوحنا المعمدان». وقال: «عيني على منصب مفوض قصر العدل لإطلاق ثورة الإصلاح»، معتبراً أنّ عنوان معركته هو «الحرب على الفساد داخل النقابة وداخل النظام القضائي». المرشح الذي يقول إنه مستقل مدعوم من المهنيين المستقلين، يرى أن المحاصصة الطائفية والحزبية تؤدي إلى شرذمة النقابة بدلاً من توحيد نظرتها.
وفي ركب المستقلين، يسير المرشح طوني حوراني أيضاً. المحامي الذي عايش العديد من النقباء يقول لـ «الأخبار» إنّ «رافعة المرشحين هم المحامون المستقلّون». يعوّل حوراني على دعم المستقلّين والحزبيين من كافة الفرقاء لتغيير الوضع القائم، رغم أنّه لا يخفي انتماءه إلى قوى الثامن من آذار.
ووسط احتدام التنافس على المقاعد الأربعة الشاغرة في مجلس النقابة، يبقى الثابت الوحيد السأم المشترك لدى معظم المحامين من الوضع القائم. إذ يتحدث هؤلاء عن مشاكل مزمنة تُثقل كاهل النقابة تبدأ بعدم فتح ملف تنقية الجدول النقابي من المحامين غير المؤهلين والمجلس التأديبي المعطل (أكثر من ألف محام ليس لديهم مكاتب وعدد مماثل عليهم ملفات قضائية بشبهات مختلفة) ولا تنتهي مع «فضيحة التأمين» التي يضج بها «بيت المحامي» وقد تنفجر خلافاً كبيراً في اليوم الانتخابي المرتقب.