منذ مغادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قصر بعبدا، والوضع الاقتصادي والمالي في البلاد ينحدر بسرعة غير مسبوقة في الانهيار، وسيصل الى الارتطام الكبير في غضون بضعة أشهر، على ما يؤكّد الخبراء الاقتصاديون، إذا لم يسارع النوّاب الى انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن. فما الذي تطالب به مجموعة الدول الخمس، وكيف تغيّرت بورصة مواقفها في مسألة انتخاب الرئيس وما يليها من استحقاقات لاحقة؟
أوساط ديبلوماسية مطّلعة، أكّدت أنّ موقف الولايات المتحدة الأميركية تظهّر أكثر مع الزيارة الأخيرة لمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف الى بيروت التي لم تطرح خلالها أي مبادرة، إنّما اقتصرت على إسداء النصائح للمسؤولين اللبنانيين لأنّ الأوضاع في لبنان لم تعد تحتمل… وصحيح أنّ ليف شدّدت على عدم دخول بلادها في لعبة الأسماء، وجرى الإعلان قبل زيارتها على لسان سفيرة بلادها لدى لبنان دوروثي شيا أنّ أميركا ستكون قادرة على التعامل مع أي شخص للرئاسة، غير أنّها في مواقفها الضمنية طرحت جملة أمور تتعلّق بالرئيس المقبل، ومن بينها أنّ أميركا توافق على المقايضة، أي على القبول بمرشّح أيّاً يكن، شرط ألّا يقوم بحلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان من خلال إعادتهم الى بلادهم. فهذا شرط أساسي لدى الأميركيين للقبول بمرشّح “الثنائي الشيعي”، رغم معرفتها أنّ أي رئيس مقبل للبنان، أكان من 8 أو من 14 آذار، أو حتى من النوّاب “التغييريين”، لن يقبل تطبيق عكس ما ينصّ عليه الدستور اللبناني في مقدّمته، وهو بالدرجة الأولى “رفض التوطين”.
وترى الاوساط أنّه في ظلّ الأجواء التقاربية بين السعودية وإيران من جهة، وبين السعودية واليمن والعراق وسوريا من جهة أخرى، فإنّه لا مجال لأن يكون هناك اعتراضات على إعادة النازحين من قبل الدول الإقليمية، لا بل على العكس. فتركيا ستُعيد القسم الأكبر من النازحين، على ما لفتت الاوساط، من دون أي اعتراضات دولية أو إقليمية، فلماذا يُمنع على لبنان مجرّد وضع خطّة لإعادة طوعية للنازحين، والجميع يعلم أنّه يستضيفهم بكلّ رحابة صدر منذ العام 2011؟ كما أنّه يطالب المجتمع الدولي بمساعدته على إعادتهم الى بلادهم، بعد أن انتفت أسباب نزوحهم، وعاد الاستقرار الى غالبية المناطق السورية، وبعد أن أصبح لبنان غير قادر على تحمّل أعباء النزوح الضخمة.
من هنا، شدّدت الأوساط نفسها على أنّ الأميركيين يدركون تماماً أنّ موقفهم هذا لا مجال لصرفه في لبنان، مع أي رئيس جمهورية مقبل. أمّا الهدف الأساسي من هذا المطلب فهو التغيير الديموغرافي في لبنان الذي تعتقد أميركا أنّه لن يجلب المشاكل لـ “إسرائيل” في المرحلة المقبلة.
وتأكيداً على رفض لبنان لأي محاولات أميركية في هذا الصدد، فقد جرت إضافة جملة مهمّة جدّاً الى البيان الذي صدر في 23 آذار الجاري عن صندوق النقد الدولي، بطلب من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وهي أنّ “أحد أسباب الانهيار والمشاكل في لبنان هو وجود النازحين السوريين في لبنان بأعداد كبيرة”. فهذا الأمر يعلمه رئيس بعثة الصندوق أرنستو راميريز ريغو، والأعضاء الذين يتابعون المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين لتوقيع الاتفاقية، غير أنّهم يتجاهلونه ولا يأتون على ذكره.
وأشارت الاوساط الى أنّه خلال الانتخابات الرئاسية السورية في أيار من العام 2021، انتخب أكثر من 300 ألف نازح سوري آنذاك في السفارة السورية في اليرزة، ما يعني أن لا مشكلة لهؤلاء النازحين وعائلاتهم مع النظام، بل هي ذريعة يحتجون بها لرفض العودة كونهم يعيشون على حساب الأمم المتحدة، التي تمنحهم رواتب شهرية بالدولار الأميركي لكي يبقوا في لبنان.
هذا ويركن المجتمع الدولي عدم تجاوبه مع مطلب لبنان لمساعدته على إعادة النازحين الى بلادهم، بأنّه يخشى عليهم من التعرّض للاضطهاد أو الظلم، فيما يؤكّد العائدون على تسوية أوضاعهم القانونية، وعدم تعرّضهم لأي من الأمور التي تحذّرهم منها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان.