الهجمات البربرية على بيروت، وعلى طرابلس، لم يعُد مسموحاً السكوت عنها وعدم اتّخاذ موقف حازم منها، أقلّه كي لا تُصبح “تقليداً” أو سِمةً تُميّز أيّ حراك في الشارع.
نشكّ في أن يكون المُنفّذون يعرفون قيمة بيروت الحضارية والتاريخية وقيمة طرابلس “مدينة العلم والعلماء”.
ولا نُصدّق أنّهم يُدركون أنّ مَن يستغلّونهم، مقابل حفنة من المال الحرام، إنما يُريدون ضرب هذا الوطن ليس فقط في مقوّماته، بل أيضاً في تاريخه وحاضره ومستقبله. بل هم يُسيئون حتى حدّ الضرر الكبير، إلى اللبنانيين قاطبةً.
بيروت التي أنشَدَها كبار شعراء العرب والعالم، وغنّاها المطربون، ورنّمها المُرتّلون، بيروت لؤلؤة المتوسّط، بيروت أمّ الشرائع منذ فجر التاريخ، بيروت المُلهِمة، بيروت ستّ الدنيا، بيروت “الأنثى” التي عشقها نزار قبّاني وأسماها “وردة الصيف الجوريّة”. بيروت هذه قال الشاعر فيها “لا يوجد قبلها شيء ولا بعدها شيء ولا مثلها شيء”. هذه العاصمة التاريخية التي يعتدي عليها “وكلاء الشيطان” كما في قصيدة القبّاني ذاتها، يجب تحديد المسؤولية عمّن استباحوها، ويستبيحونها. أمس تبارى كبار المسؤولين في التغزّل بها وإدانة ما تتعرّض له، ولكن كان يجب ألا تُترك مُستباحةً أمام البرابرة في هجمتهم الأخيرة وقد استمرّوا وقتاً طويلاً يُـمعنون فيها إعتداءً وتهديماً وتخريباً، قبل أن تتحرّك القوى الأمنية والعسكرية بعدما شفى المجرمون غليلهم الوحشي.
ولم نفهَم، ولا يفهَم أحد، كيف أنّ الدفاع المدني وفوج الإطفاء لم يتدخّلا أقلّه لإهماد الحرائق التي أشعَلها الهمج في فروع المصارف والمحال التجارية. ونستهجن ما قيل عبر التلفزة، إن آليات الدفاع المدني لم تستطع أن تتحرّك لأنها لم تكن مزوَّدة المازوت. وهذا في حدّ ذاته أمر بالغ الخطورة، إلا أنه شأن آخر لا مجال للخوض فيه الآن.
الناطق باسم المجلس الأعلى للدفاع، نحدّث، أمس من قصر بعبدا، فأورَد كلام الرئيس عون عن “إجراءات مُشددّة”، ستُتّخذ وضرورة توقيف المخططين والمحرّضين والمنفّذين. ونحن نسأل لماذا لم يتمّ تنفيذ هكذا إجراءات في حين تسرّب من الإجتماع أنّ المعلومات متوافرة لدى المسؤولين. علماً أنّ المنفّذين سُجّل تصرّفهم المُنكَر بالصوت والصورة وهم يكسرون ويدمّرون ويحرقون.