إستغرق إكتشاف الحكومة وجود مستودعاتٍ بديلة لأهراءات بيروت المدمرة، نحو عام ونصف بعد تفجير تلك الأهراءات، وهي ما كانت لتتذكر وجودها لولا الحاجة المستجدّة الى استيراد احتياطات القمح، وإلى أماكن لتخزينها.
وبعدما هبط الإكتشاف الجديد على الحكومة بقدرة قادر، كان لا بد من الإنتظار طويلاً لإرسال من يطمئن الى الكنز، وبدلاً من أن يمتطي وزراء الإقتصاد والمال والأمن سياراتهم على الفور لتفقد المخازن البديلة، اكتفى سادة الدولة بزيارة مدير مصلحة فيها، ليطمئنهم الى جهوزية المكان لإستيعاب مئتي الف طن من القمح الضروري لمعيشة المواطنين.
لم تكن تلك الأمثولة الوحيدة بشأن الرؤية النفّاذة للحكومة في حرصها على الأمن الغذائي. فالواجب كان يقتضي منها البحث عن بدائل منذ تفجير المرفأ، الا ان اركانها إنصرفوا بدلاً من ذلك إلى منع التحقيق في الانفجار والى ملاحقة ذوي الضحايا، وهم إذا نوّعوا نشاطهم طرحوا على بساط البحث ضرورة هدم الأهراءات كي لا تبقى جدرانها الممزقة شاهداً على جريمتهم بحق العاصمة واللبنانيين.
كان الواجب يقتضي لو توفر للبنان سلطة وطنية أن يبدأ البحث في إيجاد مصادر أخرى للقمح الأوكراني منذ الصيف الماضي، لدى بداية التوتر الروسي مع كييڤ أو أقله منذ إحتدام الاستنفار العسكري مطلع العام. فالدول التي تحترم نفسها ومواطنيها لا تنتظر وقوع الواقعة وإنما تستبق الكوارث فتهب الى صنع الحلول ورسم البدائل، وهو ما لم يحصل أبداً، مع معرفة المعنيين مُسبقاً بحجم إعتماد السوق اللبناني الى الواردات من اوكرانيا المنكوبة.
لم تكن تلك «التوافه» على جدول الأعمال. أصلاً لا شيء يُعْتدُّ به في جدول الحكومات الناشئة في رعاية تحالف الحكم القائم. ولا جدوى من السؤال عن الكهرباء والدواء والمحروقات ولا عن اموال المودعين وقانون الكابيتال كونترول، الذي ينتظر سير التحالف إياه في ملفات الفساد التي صارت كتباً وأرشيفاً لا يُعتد به، استناداً الى الاهتمام المشترك لأطراف الحلف بالفوز في الإنتخابات النيابية وضمان تعيين الرؤساء الثلاثة من جماعة الخط والخطيئة.
قال البنك الدولي إن ما يجري في لبنان انهيار مُتعمد تقوده منظومة الحكم، وما نعيشه يُجبرنا على إلقاء التحية على البنك الدولي وأقرانه مقرونةً باستهطال اللعنات على من يتهمه.