Site icon IMLebanon

برّي يستنهض المسيحيّين

لقد طرق الرئيس نبيه برّي باباً يُشكر على “تفقّده” في هذه الفترة الحرجة، كونه يفتح صفحة الوجود المسيحي والأقليّات بصورة عامة في العالم العربي، فضلاً عن الوضع المسيحي في لبنان وحالات الزمان عليه شتى.

صحيحٌ وواقعي ما يردّده الغيارى عمّا لحق بالمسيحيّين من اضطهاد وأذى وخسائر، بعدما تحولوا أقليّات مستهدَفة في بعض الدول العربيّة. ولا حاجة هنا إلى إعادة التذكير بمشاهد المذابح، ولا بتلك المشاهد التي تنضح بالحزن العميق على ما راكمه التاريخ من آثار وإعمار وإبداع في شتى الحقول.

ويحقّ لهؤلاء الغيارى توجيه اللوم والتأنيب إلى بعض مسيحيّي لبنان الأخضر، الحلو، قطعة السما، مرقد العنزة، وبصورة خاصة الى متزعّمين ومنصّبين أنفسهم قيادات في غنىً عن التعريف، يعود إليهم الفضل سابقاً ولاحقاً في إدخال كل المسيحيّين وكل لبنان في نفق مظلم.

وصل إلى برّي قول من الجنرال عون يعترف فيه أن “كل ما قاله برّي صحيح، وتوقّعاته كانت صحيحة، وهذا ما حصل”.

فكان أن ردّ برّي: ما النفع من هذا الاعتراف بعد خراب البصرة، وعدم تمكّننا حتى الآن من انتخاب رئيس للجمهوريّة، مع تعطيل مجلس النواب، حتى وصل الميكروب إلى الحكومة؟

فيما كنت أتبادل الرأي مع نائب صديق في كلام رئيس المجلس الذي يضع النقاط على الحروف، وجّه تحيّة إلى برّي مرفقة بالسؤال التقليدي: على مَنْ تقرأ مزاميرك يا نبيه؟

وأكمل: ما أشبه موارنة لبنان بعبدالله الصغير الذي وجدته أمه الأميرة عائشة الحرّة ينتحب بعد ضياع غرناطة آخر معالم الأندلس، فقالت له: إبكِ كالنساء مُلكاً مُضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.

لقد أُعطيت بكركي مجد لبنان بموافقة جماعية شملت الطوائف والمذاهب كافة، وأُعطي الموارنة كل الحكم، وكل السلطات، وكل المؤسّسات والوظائف الأولى، ووقّعت الفئات والمرجعيّات والقيادات بالموافقة على ورقة بيضاء.

فماذا كانت النتيجة؟ وإلى أين أوصلوا هذا اللبنان؟

في معرض إبداء إعجابه بوقوف الأقليات الكرديّة في وجه المكوّنات الكبرى، وتوجيه صفعة سياسية الى “السلطان” رجب طيّب أردوغان، خطر لبرّي أن يستنهض المسيحيّين الذين لا يعتبرهم أقلية، متذكّراً ومذكِّراً مَنْ يعنيهم الأمر بدورهم البنّاء في المنطقة، وكيف ساهم روّادهم في إطلاق القوميّة العربيّة والدعوة إلى نشرها. من البساتنة إلى ميشال عفلق وأنطوان سعاده وسواهم…

هذا الكلام المميّز والمهم جداً يجعلنا نذكّر المسيحيين، والموارنة تحديداً، أنهم أمام امتحان تاريخي قد يكون الأخير.

لا يكفي القول إن المسيحيين كانوا، بل ها هم موجودون. فـ”كان” فعل ماضٍ ناقص. فانهضوا.