Site icon IMLebanon

حدود المقايضة

 

يمكن للمسؤولين الأميركيين أن يقولوا الكثير في شأن مفاوضاتهم مع إيران وحصرها بالشأن النووي. ويمكن للإيرانيين أن يقولوا شيئاً مشابهاً، بل أن يتشاوفوا ويعيّروا الآخرين، بأن الطرف الآخر، ومستر أوباما شخصياً هو الذي يعرض ربط النووي بـ»داعش».. أو بمعنىً آخر، ربط «التنازل» في ذلك الملف المركزي المقلق، بأدوار إقليمية تطمح إليها «الجمهورية الإسلامية» وتذهب بطموحها ذاك إلى غلوٍّ صادم.

والواقع هو أن طهران طامحة وواشنطن أوباما مستعجلة. والمعادلة المتحكمة بمفاوضاتهما تتآلف مع المقولة الأثيرة عن الذي يعطي ما لا يملك للذي لا يستحق! أي، في طريقهم إلى تشليح الإيرانيين مشروعهم (وطموحهم) النووي، يقدم الأميركيون عروضاً مغرية لكن على حساب العرب في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها! ولا يخجل العارض ببضاعته، ولا يتورع الشاري عن القبول والأخذ بتلك البضاعة، بل إنه في واقع الحال، لا (ولم) يتورّع عن فعل كل شيء تحضيراً لتلك المقايضة الظالمة.

طبعاً، لم تصل الأمور إلى خواتيمها بعد، وإن صار قريباً موعد الحصاد.. ولا تعني المقايضة أنها أحكام القدر، لا في سوريا ولا في العراق ولا في لبنان ولا في غير ذلك. بل قبل الخواتيم هناك مطبّات وعقبات ذاتية عند كل طرف. الكونغرس بمجلسيه عند أوباما، و»الحرس الثوري» ومنطقه وملاحقه الإقليمية عند «المرشد» خامنئي. ومع ذلك، من الواضح تماماً، أن الطرفين يرسمان معاً وبسرعة، خطّاً فاصلًا بين مرحلتين: أولى بدأت مع الثورة وتحكّمت بها العداوة التامة. وثانية تبدأ في هذه الأيام وتتحكّم بها أنشودة «التعاون والتنسيق»!

مرحلة تمضي وتنتهي، وأخرى بديلة تتمظهر وتتشكّل. وفي هذه تحديداً هناك أطر وعوالم وأدوار ووظائف ستتغير طبائعها وتتكيّف مع المناخ الوليد والمستجد: لا يمكن إيران أن تنفتح في النووي وتبقى مُقفلة في سياستها الخارجية. ولا يمكن لها أن تعود إلى «المجتمع الدولي» وتُبقي على أدواتها العاملة خارج ذلك المجتمع! أي لا يمكن أن تفتح الخيوط والمواصلات والاتصالات مع الغرب وتُبقي في الوقت ذاته على أدوات تفخيخ تلك الطرق في مكانها!

والمعضلة عندها كما عند غيرها: يمكن أوباما أن «يطمئنها» إلى أهدافه التكتيكية في سوريا. لكن هل يمكن له أن يضمن لها أن دميتها بشار الأسد سيبقى في مكانه، طالما أنه هو شخصياً سيترك منصبه بعد سنتين؟ وهل يمكنه أن يضمن لها دوراً حاسماً في العراق على حساب مكوّناته ومن دون تسوية كبرى تحفظ لكل صاحب حق حقه؟ وهل يمكنه أن يضمن لها دوام «حالة» «حزب الله» كما هي في لبنان أو مقايضة وضعه ومستقبله بتغيير دستوري؟ ثم بعد ذلك، هل تظن إيران فعلاً أنها تلعب «شطرنج» مع أميركا؟ وأن شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن هي مجرّد بيادق على تلك الرقعة؟!

الأسئلة كثيرة، لكن الجواب واحد: لا طموحات إيران قَدَر لا يرد. ولا أميركا بتلك الخفّة كي تقابل الخنوع النووي بخنوع موازٍ في محيط عربي يغلي حنقاً من ممارسات طهران، وحزناً على مآلات طموحاتها التي جعلت الفتنة الكبرى صنواً لها!