على إيقاع رفض أهالي العسكريين الرهائن تمنّي النائب وليد جنبلاط ـ بمن فيهم عائلات العسكريين الدروز الرهائن ـ غيّر «البيك» موقفه من هذه القضيّة الشديدة الحساسية؛ فبعد عشرين يوماً مضت على موقفه الأول والذي لاقى به حزب الله فأعلن «رفضه التام لأي مقايضة بين الموقوفين الإسلاميين والمخطوفين العسكريين،لأن من شأنها أن تقود إلى الفوضى،وأن تضرب معنويات الجيش»، طالب بالأمس وزير الصحة وائل أبو فاعور واعتماد مبدأ المقايضة في ملف العسكريين المخطوفين»، وخلال هذه الأيام العشرين بالتأكيد وليد جنبلاط وخلال جولاته المكوكيّة على قرى الجبل اللبناني، خصوصاً جولته الأحد الماضي على قرى راشيا وحاصبيا، لمس ـ وبالمعاينة والسماع ـ حجم الاحتقان في وجه «النزوح السوري» في القرى والمناطق اللبنانيّة، من الشمال إلى البقاع، وشرر الفتنة التي تكاد تشتعل في لبنان، أمام إصرار جبهة النصرة على إشعالها، وما شاهدناه وسمعناه بالأمس من «شيخ الفتنة» الذي يضع «عمامة» على رأسه دار الفتوى،من طرابلس، هي إنذار شديد بالخطر وهو يُعلن وعلامات «الارتعاش المرضي بادية عليه» أن «الدولة الإسلامية في لبنان آتية شاء من شاء وأبى من أبى»!!
وعلينا الاعتراف أن الانقسام في الرأي الحكومي، هو السبب الأوّل في هذه المأساة التي تكاد تتحوّل إلى كارثة وطنية، خصوصاً وأنه لا إدارة واضحة لهذا الملف، وأن أهالي العسكريين الرهائن متروكون لمواجهة مأساتهم تحت رحمة اتصالات جبهة النصرة ومشايخ من هنا وهناك، منذ البداية ارتكبت الحكومة خطأ جسيماً بترك التفاوض بيد ما يسمّى بهيئة العلماء المسلمين، وسبق وحذرّنا من ميل هؤلاء ودعمهم لجبهة النصرة وداعش، وأنّه لا فرق بينهم وبين الإرهابي أحمد الأسير، فكلّهم يشربون من معين واحد!!
وبكلّ أسف، ترك الحكومة لعائلات الأسرى على هذا الشكل المأساوي، أوصلهم تحت ضغط اتصالات أبنائهم التي تتيح لجبهة النصرة ضغطاً مباشراً في قلب الشارع اللبناني، وإذا ما استمرت هذه العائلات في قطع الطرقات على هذا الشكل تحت وطأة ضغط جبهة النصرة، سيخسرون ابتداءً من بداية عطلة الأسبوع اليوم تعاطف اللبنانيين معهم، فالبديهي أنّ المواطن لا يتعاطف مع من يقطع عليه السبيل مهما كانت قضيّته مقدّسة، وهذا سيضعف قدرة الأهالي على الضغط باتجاه تحرّك حكومة لا تعلن شيئاً ولا تصدر بياناً عن هذه القضيّة الخطيرة، وهذا مظهر استخفاف كبير بالرهائن وعائلاتهم وبالشعب اللبناني، وللتذكير فقط، لقد أفضت مقولة الوزير السابق زياد بارود «نتكتم عن إعلان أي معلومات حفاظاً على حياة جوزف صادر» إلى ضياع قضية جوزف صادر نهائياً، وبالكاد اللبنانيون اليوم يتذكرون اسمه!!
المطلوب أن تأخذ هذه الحكومة على عاتقها ـ وإن اضطرت في جلسة من بند واحد ومنقولة مباشرة على الهواء ـ قراراها بقضية التفاوض والمقايضة من عدمها، ليعرف الشعب اللبناني من الذي يتحمّل مسؤولية هذه المأساة الكبرى، فما بين نذر فتنة سُنيّة ـ شيعية، وأخرى سُنيّة ـ درزيّة، وهتاف تظاهرة لاجئي عرسال بوقاحة شديدة بعد صلاة الجمعة أمس: «الشعب يريد الدولة الإسلامية» و»أبو مالك فوت فوت بدنا نوصل لبيروت» ـ وطويلة على رقبتن يوصلوا عبيروت ـ ستضيع وتنفلت الأمور من عقالها؛ ثمّة تخاذل كبير ومخيف في حماية لبنان، وفي إنجاز هذا الملفّ الخطير، و»كبّولهن إرهابيي رومية في جرود عرسال واستعيدوا جنود الجيش اللبناني،واستعدّوا لمعركة مع الإرهاب!!
ما قاله بالأمس «أبو مالك التلّة» أمير جبهة النصرة في القلمون: «لدى الجبهة مجاهدون بالآلاف وهم ينتظرون ا?ذن ليبدأوا المعركة داخل لبنان وعلى قرى الروافض حصراً… إلى أهلنا في لبنان لا بد أن تقوموا قومة رجل واحد، كفاكم ذلاً وهواناً وكفانا انتظاراً لسكين الذبح بيد حزب الرافضة»، كلام يُنذر بخطر شديد، وبصدق نقول ـ لم يكن كذباً أبداً كلّ التحذير من بؤر متطرفة موجودة في طرابلس وفي عرسال ـ وإلا بماذا نفسّر شعارات تظاهرات الأمس وحشودها؟!
حان الوقت لتحزم جميع الطوائف أمرها وتقف صفاً واحداً خلف الجيش اللبناني، فإنقاذ لبنان أولاً مما أوصلته إليه لامبالاة السياسيين الممسكين بزمام القيادة، فأوردوه وأوردنا موارد تهلكة لبنان وضياعه، وللمناسبة؛ كلنا ثقة بأن الجيش اللبناني قادر على تحويل أبو مالك «التلّة» إلى «جورة» وعلى سحقه ومن معه من آلاف الإرهابيين، وأنّ أي اعتداءٍ على قرى الشيعة في لبنان هو اعتداء على كلّ اللبنانيين…
وبكلّ صدق أقول: في أي معركة قد تنشب ـ في حال تدهور الوضع دراماتيكيّاً بين «داعش وجبهة النصرة» وبين حزب الله على الأراضي اللبنانيّة، نحن مع حزب الله لا مع «مجموعة مرتزقة يقطعون الأعناق ويذبحون جنودنا»، لأن لبنان الآن في زمن الحسابات الكبرى، والخيارات الكبرى!!