خذ بطاطا واعطني بندورة وخذ “محبتي” واعطني ربطة خبز
هو موقعٌ باسمِ “ليبان تروك” و”التروك” هو شكلٌ من أشكال المقايضة “البارتر”. أعطيك هذا فتعطيني ذاك. أعطيك حذاءً فتعطيني دواءً. أعطيك مرطبان كبيس فتعطيني ربطة خبز… فما قصة “ليبان تروك” وما حال المقايضين؟
هلا دحروج هو اسم المرأة التي فكّرت كثيراً بأمرٍ ما، بمشروع ما، بفكرة، ببرنامج من أجل الإسهام في وضع “اليد باليد” و”الكتف على الكتف” في لبنان المضطرب! هذا كان قبل كورونا، منذ جاع الناس و”بلعت” المصارف أموالهم وانتحر الرجال وباعت إمرأة كليتها من أجل حفنة من المال. جلست بينها وبين نفسها. حكّت رأسها كثيرا وخرجت بفكرة رائدة: إنشاء صفحة فيسبوكية يُقايض الناس ما يملكون بما يريدون.
ندخل الى “ليبان تروك” ونحن نصغي الى هلا دحروج: هناك “ميديا” بين أيدينا فماذا فعلنا كي نستخدمها بشكل صحيح؟ من هذا المنطلق أسسنا في كانون الأول العام 2019 صفحة يتفاعل الناس فيها، بطريقةٍ عفوية، يُقايضون فيها بين ما يريدون وما لا يريدون. ونجحنا في إنشاء “مجتمع مثالي” لا يعوز المال ليقتات ويحصل على الحاجيات. أردنا أن نعبر “الأزمة الإقتصادية” الخانقة التي نمرّ بها غير عالمين أن الأزمة ستشتدّ بقدوم فيروس يشلّ الأرض والعباد. هكذا انطلقنا.
إنطلق “ليبان تروك” لسدّ الفجوة الإجتماعية – الإقتصادية الخانقة وها هو اليوم “صلة وصل” بين المعوز والميسور وأتانا كورونا فتابعت الصفحة في سدّ فجوة أطبقت على ما تبقى من قدرات ناسنا لكنها زادت، في المقابل، تماسكهم. الناشطة هلا دحروج تشرح ما آلت إليه الأمور: زمان، قبل عقود كثيرة، كان من يزرع البندورة يتبادلها مع من يزرع البطاطا وتحولت هذه المقايضة الى شكلٍ إنساني. فهناك أناس ينامون في الشارع وفي المقابل هناك من يحتاجون الى نواطير. ولاحقاً، بدأت “تهطل” على الصفحة طلبات الطعام والخبز والدواء والحليب. ونجحنا في خلق شبكة أمان بين اللبنانيين. وكنا الأوائل في ذلك. تضيف: نحن لسنا جمعية خيرية ولا نملك إدارة خاصة ولا نتبنى حالات بل نعرضها، بشفافية مطلقة، وانضمّ إلينا في الأشهر الثلاثة الأولى 43 ألف إنسان. والضغوطات زادت كثيرا.
كبرت عائلة “ليبان تروك” كثيراً، وانضم “رفاق” هلا لمساعدتها في تنظيم الصفحة أما “محركو” الصفحة على الأرض، في الشوارع والمناطق والمحافظات، فهم الشعب اللبناني، كل الشعب اللبناني، الذين يتعاونون مع بعضهم من دون أن يكونوا على صلة مسبقة مع بعضهم، مشكلين نوعاً من التكافل الإجتماعي. وتستطرد دحروج بالقول: نحن لا نقبض فلساً من أحد لتوزيعه على أحد بل نعمد الى إيصال الناس ببعضهم البعض وهم من يحولون مساعداتهم بأنفسهم الى بعضهم البعض. وكم هو رائع أن نراقب كيفية تفاعل هؤلاء الناس مع بعضهم.
نجول بين “بوستات” ليبان تروك فنرى حجم الحاجيات التي قد يراها البعض بسيطة جداً لكنها جدّ ضرورية لأشخاص آخرين. هناك من تطلب وبإلحاح علبة حليب وهناك من يطمئنونها الى أنها ستصلها قبل المغيب. إحداهن وضعت صور أحذية تملكها وكتبت: لديّ هذه الأحذية وهي شبه جديدة أريد استبدالها “بشوية مونة”. إمرأة تبدو أكثر يسراً ردّت عليها: إحتفظي بها وسأرسل لك علبة مونة. يا الله كم جميل هذا النوع من التكافل الإجتماعي.
هلا دحروج واحدة ممن بحثوا عن أفكار إيجابية خلاقة في هذا الزمن الصعب وتقول: ليتنا نتحول إيجابيين. ليتنا نضع قجة وكل واحد “ينق” يضع ألف ليرة فقط لا غير فيها وسترون كم ستجمع. فلنحوّل الأمور الى إيجابية حتى ولو كنا نستشعر حجم الأزمة. تضيف: كنا نستقبل يومياً مشاركات الكثيرين ممن يريدون عملاً أما اليوم، بعد الطوارئ الصحية والإقفال العام، فنستقبل أناسا يتألمون كثيراً ويلحون بحاجتهم الى ربطة خبز أو كيس حليب أو دواء. ونحن على يقين أن لا أحد سيُغيّر أحوال هؤلاء إلا بعضهم البعض.
كل من انضووا الى “ليبان تروك” لبنانيون، وكلّ من يستفيدون من “ليبان تروك” هم لبنانيون، وهذه ليست، بحسب دحروج، عنصرية بل لأن الآخرين لديهم منظمات كثيرة تساعدهم أما اللبناني، الموجود في أرضه، فيعاني الأمرين. وتقول: يصلنا أحيانا ألف منشور يوميا وأنا حريصة على قراءتها كلها قبل عرضها أو تجاهلها، حيث أقوم “بفلترة” كل منشور يتضمن إعلانا أو حقداً أو عنصرية أو مجرد أفكار متكررة معادة.
نقلب بين “بوستات” أعضاء الفريق فنجد سيدات بيوت يعددن الحلويات ويعرضنها ونرى جميل شري، صاحب الدكانة في زقاق البلاط، يوزع كلّ محتوى دكانه مجاناً على المحتاجين. ونرى الطفلة سيرين (13 عاماً) من البداوي قد حصلت على هاتف جديد. والأب، شوفير التاكسي، قد حصل على “المونة” التي طلبها معلنا “ما في حبة رز في منزلي”. ونرى قهوة الست في أنطلياس قد أقامت حاجز محبة توزع عليه ثلاث حصص غذائية، ثلاثة أيام في الأسبوع… ونرى من يدعو “الله لا يحرمكم من شي” ومن يطلب “الله يبارك في كل إنسان بيحب يساعدني”. وهناك أيضا من يُعلم الأطفال كيف يصنعون معجونة يتسلون بها: قليل من المياه والملح وملون الطعام والزيت والدقيق السائل. وتصبح المادة، كما اللحظات، طيعة بين أيديكم.
مبدأ التروك خفت قليلا لجهة العطاء دون الأخذ، لكن، بعد قليل، بعد أن تنتهي “معمعة” أزمة الفيروس الرهيب سيعود “ليبان تروك” ليركز أكثر على مبدأ المقايضة لأن هناك كثيرين يعتبرون المقايضة عملاً تجارياً ويخجلون من الأخذ دون العطاء.
الطلبات تزيد. لبنان كله يتضافر. وصدى أب يصرخ في “بوست” يعلو حتى على مشهدية حرق ذاك الأب لسيارة الأجرة التي يملكها في نصف الطريق. سمعناه وصوته يتردد في أذهاننا: ولادي جوعانين… خذوا كليتي… خذوا قلبي وروحي… خذوا دمي واعطوني ربطة خبز!
وجد “ليبان تروك” وكلّ ومضات الخير كما “ليبان تروك” للحؤول قدر الإمكان دون الموت قهراً. وكما فعلت هلا دحروج يمكن أن تفعل أنتَ وأنتِ ونحن. وأفكار هلا للمرحلة المقبلة كثيرة بينها تطوير تطبيق يخلق فرص عمل يُشكّل “بارتر” إنسانياً بين طرفين. ووصل نشاط الصفحة الفيسبوكية الى شركة فيسبوك التي اكتشفت أن “ليبان تروك” تمكنت من تحقيق فرق إجتماعي إيجابي فقدمت دعم الصفحة وإجراء boost لها مجاناً. ويستمر العمل كثيراً.