هل أحرج “حزب الله” فعلاً الحكومة عندما نجح في إطلاق أسير له عبر عملية تفاوض مع “الجيش السوري الحر” أفضت الى استرجاع الحزب أحد أسراه مقابل أسيرين لهذا الجيش، أو أن القراءات التي صبّت في هذا الإطار لا تعكس حقيقة ارتدادات خطوة الحزب على الحكومة وعلى ملف العسكريين المختطفين؟
لا ترى مراجع سياسية بارزة ان الحزب في إقدامه على التفاوض مع “الجيش السوري الحر” كان يقيم أي اعتبار للحكومة اللبنانية التي تجاهد منذ ٣ اشهر ( أي منذ خطف عسكرييها) لإطلاق هؤلاء وإعادتهم إلى أهلهم ومؤسساتهم سالمين. بل أن هذا الأمر يأتي في آخر إهتمامات الحزب على ما تقول المراجع. فهدفه من العملية كان إطلاق أسيره لأكثر من دافع وسبب. لكن الحزب، من حيث يدري او لا يدري، قد قدم خدمة جلّى للحكومة التي هو عضو فاعل فيها، إذ أصبحت الأخيرة في حلٍ من الضغوط التي مورست عليها منذ بدء مأساة العسكريين، والتي كان للحزب وحلفائه القسط الأوفر منها في مسألة الاعتراض على ما سمي المقايضة.
وعلى رغم ان ظروف التفاوض المباشر الذي قام به الحزب، وأسبابه وحيثياته مختلفة بالكامل ولا يمكن مقارنتها بالوضع الحكومي حيال مسألة الخطف، ساعد هذا الأمر على إطلاق يد الحكومة بالتفاوض المباشر مع الخاطفين. وهو القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة وأبلغه وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى أهالي العسكريين أمس. ليست واضحة بعد آليات هذا التفاوض، ولكن المهم أن القرار اتخذ والقطار انطلق بقطع النظر عن الوساطة القطرية وإمكان استكمالها أو لا.
قد يكون متعذراً وضع برنامج زمني لمسار المفاوضات الجديدة المرتقبة، وهي ليست في الواقع إلا إستكمالاً لما سبق وإنما بدفع علني ورسمي مباشر، ولكن قرار جبهة النصرة تأجيل تنفيذ تهديدها بإعدام المخطوف علي البزال، يؤشر بحاجة الخاطفين الى فترة سماح قد تمتد لأشهر عدة كفيلة بتمرير موسم الشتاء الذي يتوجس منه الخاطفون على جبهتي “النصرة” و”داعش” على السواء. وهذا ما يدفع التنظيمين الى التعامل مع الوضع القائم وفق قواعد لعبة جديدة أرسى أسسها عملياً “حزب الله” في عملية المقايضة الأخيرة التي أجراها.
فالحزب الذي يسعى الى ستاتيكو سياسي داخلي في إنتظار بلورة المعطى الإقليمي، يعمل على ستاتيكو مماثل على الصعيد العسكري.
وبحسب المعطيات المتوافرة لدى جهات أمنية مطلعة، ان تحرير أحد أسرى الحزب هدف في جزء منه الى إعادة تجييش جمهوره وضخ الزخم فيه بعد سلسلة من الإحباطات التي أصيب بها نتيجة الانخراط العسكري في سوريا والخسائر البشرية التي يتكبدها، (وإن كانت لا تقاس في حسابات الحزب أمام الإنجاز المحقق في المعركة الوجودية التي يخوضها في سوريا)، ولكن الحسابات الأهم لدى الحزب تكمن في ان المقايضة ترمي الى أبعد من ذلك. إذ يذهب الحزب فيها الى حدود فتح قنوات حوار مباشر مع التنظيمات المسلحة ومن ضمنها “داعش” و”النصرة” لترتيب وضع الجبهات الحدودية ولا سيما بعد مستجدات معركة القلمون الأخيرة. ولا تقف حدود المقايضة عند الأسرى، بل تتعداها الى تفاهم على حماية الحدود وعدم تحريكها مقابل نزول المسلحين من الجرود الى القرى ومكوثهم فيها حتى إنقضاء فصل الشتاء، بحيث يحافظ كلا الفريقين على الوضع كما هو في إنتظار ظروف أفضل.
وتقلل المعطيات المتوافرة لدى الجهات الأمنية المشار إليها من أهمية مخاطر فتح جبهات جديدة في الظروف الراهنة، مشيرة الى ان الوضع الأمني والعسكري سيبقى على الحدود ضمن السقوف الموضوعة، لكنها لا تقلل من أهمية تنامي المخاوف حيال عودة الاضطرابات على الساحة الداخلية لإبقاء الاضطراب سيد الموقف.
وهذا الواقع ينسحب على ملف العسكريين الذي تتوقع الجهات الأمنية ان يخضع بدوره لهدنة الشتاء.