كما كان متوقعاً، يسير قطار التمديد و «عين» الخائفين على الاستقرار الأمني «ترعاه». عملياً، قرار وزير الداخلية نهاد المشنوق بالتوقيع على قرار تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لسنتين لن يُقابَل بردّة فعل من جانب العماد ميشال عون مماثلة لتلك التي دفعت الأخير إلى سحب الثقة من وزير الدفاع سمير مقبل.
«صديق» الرابية فعل كل ما يلزم لعدم استفزاز «الجنرال»، لكن حين تيقّن أن تعيينات قوى الأمن، بإصرار من عون، «لن تمشي» إلا مع تعيينات قيادة الجيش، ذهب نحو «خيار الضرورة». هذا الخيار وفق ترجمة الرابية الفورية لا يفسّر سوى كونه «انتهاكاً فاضحاً للقانون يُضاف الى انتهاكه للدستور سابقاً بعدم الدعوة إلى انتخابات جزين الفرعية».
المشنوق، من جهته، رَفَض استنساخ «ستايل» وزير الدفاع سمير مقبل في محاكاة التمديد لكبار الضباط. قبل جلسة «خميس التمديد» صعَد شخصياً إلى دارة عون عارضاً عليه، من موقعه كوزير للداخلية، مشروعه المتكامل حول قوى الأمن، وضرورة إجراء تعيينات منفصلة عن قيادة الجيش والمجلس العسكري. وفيما وضعه في أجواء توقيعه قرار تأجيل تسريح بصبوص في حال تعثر التعيين، فإن المشنوق، وفق المعلومات، لم يشر من قريب أو بعيد إلى مدّة السنتين.
أبدى رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» تفهّم الحدّ الادنى لمقاربة المشنوق مع طلب مباشر بـ «تفهّم» ردّة فعله. وفي يوم الحسم راعى وزير الداخلية مطلباً أساسياً لعون، وإنْ شكلياً، بطرح تعيين مدير عام على طاولة الحكومة، بعكس وزير الدفاع الذي وقّع على قرار تأجيل تسريح الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير من دون المرور بمجلس الوزراء.
وفق المعلومات، وفي الدقائق الأخيرة من جلسة حامية حول عرسال، طرح المشنوق، من باب «رفع العتب»، اسم العميد عماد عثمان لقيادة الدرك وتحدّث عن ضرورة ملء الشواغر في مجلس القيادة. باستثناء ردّ الوزير جبران باسيل القاطع برفض «العرض»، لم يصدر أي ردّ او تعليق جدّي من جانب أي وزير على اعتبار أن الطرح لم يُواكب بتوافق مسبَق عليه خارج جدران السرايا، ولأن الجلسة بحدّ ذاتها كانت لـ«توديع» التوافق الحكومي. أحد الوزراء قال لـ«السفير» معلّقاً «ما حدا قبض جدّ طرح اسم عماد عثمان لأن الخاتمة كانت معروفة».
بعدها خرج المشنوق من السرايا ليوقّع لاحقاً قرار التمديد لبصبوص، كما أجرى اتصالات عدّة مع سياسيين استمزج رأيهم بأسماء ضباط لتشكيلهم بموجب برقيات فصل في 20 موقعاً.
العقدة الأساسية برزت من خلال شدّ الحبال حول اسم قائد الدرك، حيث اصطفّ المشنوق و «الكتائب» و «المردة» والبطريرك بشاره الراعي إلى جانب اسم العميد جوزف الحلو، فيما تمسّك سمير جعجع باسم العميد فادي الهاشم، أما ميشال عون فوقف متفرّجاً على عملية يعتبرها باطلة أساساً. وقد استغرق حسم الاسم لقيادة الدرك ساعات بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء.
ويقول مطلعون إن قرار التمديد سنتين لبصبوص أخذ بالاعتبار أمرين أساسيين:
الأول، التعاطي مع قيادة الدرك بالذهنية نفسها التي تمّ التعاطي فيها مع قيادة الجيش. فالتمديد بقرار وزير، وليس بقانون، لا يكون محصّناً إلا باعتماد مدّة طويلة نسبياً تؤمّن الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب لعمل المؤسّستين الأمنية والعسكرية.
أما الأمر الثاني، فهو تجنّب إدخال المديرية في نفق التجاذبات السياسية في حال الركون مجدداً الى خيار التمديد لقائد الجيش في 23 أيلول المقبل.
يترافق هذا الأمر مع ما يشبه الجزم، من جانب المعسكر المؤيّد للتمديد، بأن لا تغييرات جذرية ستطرأ من الآن حتى موعد نهاية ولاية قائد الجيش، مما سيجعل من احتمال تأجيل تسريح قهوجي للمرة الثانية أمراً ممكناً، ولسنتين كاملتين تنتهي معهما مدّة سنوات خدمته قانوناً في السلك وهي 44 عاماً. يتحدّث هؤلاء بمعزل عن قرار عون الصريح بعدم تمرير قرار واحد في مجلس الوزراء قبل بتّ التعيينات الأمنية كافة.
كل هذا المشهد لم يفسّر من جانب ميشال عون إلا بالآتي: إضافة الى الشغور في قيادة الجيش والمجلس العسكري ومجلس القيادة، أضافت حكومة تمام سلام شغوراً جديداً في سجلّها على مستوى المديرية العامة لقوى الامن.
وتشير مصادر وثيقة الصلة بعون إلى أن المشنوق «لم يكن شفافاً مع الرابية منذ البداية، فهو تهرّب من استحقاق أساسي مرتكباً مخالفة دستورية، حيث يفرض القانون إجراء انتخابات فرعية خلال شهرين من شغور المقعد النيابي، كما أنه عمد الى التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي خلافاً للقانون، حيث تجوز مساءلته ومحاسبته على هذه الارتكابات، وهذا ما يدلّ على أن وزير الداخلية ليس على خطّ التواصل بين الرابية والرئيس سعد الحريري»! لكن ماذا عن سحب الثقة من المشنوق؟ تردّ المصادر: «هذا الخيار لم يُبحَث بعد في الرابية».
ولأن تعيينات المديرية، كما مجلس القيادة في قوى الأمن، اصطدمت بالفيتو «البرتقالي» بسبب فصلها عن تعيينات اليرزة، كان على المشنوق أن يصوّب «الاعوجاج»، على طريقته، في مجلس القيادة بعد أن أخذ على عاتقه تفعيل الإنتاجية في قوى الأمن بالموجود والمتاح. فأشرف على مناقلات، بموجب برقيات فصل أصدرها اللواء بصبوص، أبقت على المشكلة نفسها. مجلس قيادة بلا نصاب وضباط يعملون بالوكالة.
في قيادة الدرك، المنصب الماروني الأمني الأرفع بعد قيادة الجيش الذي عادة ما يتنازعه صراع خافت تحاك قطبه الخفية بين القوى المسيحية على رأسها رئاسة الجمهورية، تمّ تكليف العميد جوزف الحلو بصفة مساعد أول والذي كان قائد القوى السيارة، وذلك بعد أسبوعين من تسلّم قائد منطقة الشمال العميد محمود عنان (شيعي) مهام قائد الدرك بالوكالة، خلفاً للعميد الياس سعادة، على اعتبار أنه الأقدم رتبة.
وفيما شملت برقية الفصل، التي يُعمل بها حتى شهر أيلول المقبل، 20 ضابطاً بينهم ثلاثة من مجلس القيادة يعملون بالوكالة، فقد لوحظ انها لم تشمل العميد جورج لطوف رئيس هيئة الاركان والعميد عبد الرزاق القوتلي قائد شرطة بيروت، وهما من قادة الوحدات ويعملان بالوكالة أيضاً!
تشكيلات لـ20 ضابطاً
شملت برقية الفصل 20 ضابطاً، وهم: العميد محمود عنان الى ديوان المدير العام بتصرف المدير العام، العميد فادي الهاشم الى قيادة وحدة القوى السيارة بصفة مساعد اول، العميد بسام الأيوبي الى ديوان المدير العام بتصرّف المدير العام، العميد الركن جوزف الحلو الى مساعد اول لقائد الدرك الإقليمي، العميد خليل الضيقة الى قيادة الدرك بصفة مساعد ثانٍ، العميد فيصل تنيان إلى ديوان المدير العام بتصرّف المدير العام، العميد جوزف كلاس الى المفتشية العامة بصفة مساعد اول، العميد مروان سليلاتي الى مساعد ثانٍ لرئيس الادارة المركزية، العميد رامي الحسن الى قيادة وحدة الدرك الإقليمي، العميد علي هزيمة الى قائد منطقة لبنان الشمالي، العقيد حسين خشفة الى قائد سرية بيروت الإقليمية الثالثة، المقدم مالك ايوب الى آمر مفرزة الضاحية القضائية، المقدم ربيع شحادة الى مساعد اول لقائد منطقة لبنان الشمالي، المقدم توفيق نصرالله إلى قائد سرية النبطية الإقليمية، المقدم عبد الناصر غمراوي الى قائد سرية طرابلس الاقليمية، المقدم سيمون مخايل الى آمر فصيلة البترون، المقدم غابي يمين الى آمر مجموعة قصر عدل طرابلس، المقدّم ميلاد نصرالله الى قائد سرية زغرتا الاقليمية، النقيب حسين احمد الى مفرزة الاستقصاء المركزية، النقيب مروان دعبول الى آمر مفرزة سير زغرتا.