تركيا تضيق بهم وأوروبا تقدِّم منحاً لتشجيعهم على العودة ومنعهم من التوجُّه اليها
ما يريده باسيل هو ان تقدم الحكومة على ما تقاعست عنه خلال الاعوام الستة الماضية، وهو وضع استراتيجية شاملة لحل معضلة النازحين بدءاً من وقف النزوح
كشف الوزير جبران باسيل في إطلالته التلفزيونية عبر «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، البعض القليل مما كان يتمنّع عن الإفصاح عنه في الملفات السياسية الشائكة، وفي مقدمها قانون الإنتخاب وأزمة النزوح. لم يخف الرجل أن أكثر ما يثير إستياءه على المستوى الشخصي، رميه بسهام الفساد والتشهير، فانبرى الى السماح لمرسال غانم في كتاب خطي الإطّلاع على كامل محفظته المالية في لبنان والخارج، رغم أن قريبين له ومنه ظلوا حتى اللحظة الأخيرة يعارضون هذه الخطوة، إنطلاقا من أنه مهما بلغت الضغوط والإتهامات ليس عليه أن يقْدم على أي خطوة تبريرية، وخصوصا أن الكسب الشرعي من مهنته حق من حقوقه، غير خاضع لا للتأويل ولا للتبرير.
على المستوى السياسي، كشف باسيل نذرا قليلا في ملف قانون الإنتخاب والمداولات التي آلت الى الإتفاق، ولا يزال يحتفظ بالكثير مما لا يمكن المجاهرة به راهنا ضنّا بالمصلحة العامة وحفاظا على أمانات المجالس وأسرارها، وهو ما لا يأخذه في الاعتبار كثر ممن شاركوا في المداولات الانتخابية.
أما في ملف النازحين فاستفاض الرجل شارحا موقف التيار الوطني الحر في هذا الشأن، وتحديدا منذ أن وقف في حكومة نجيب ميقاتي في العام 2011 معارضا الخفة التي يتم التعامل فيها، رغم أن عدد النازحين يومها لم يكن قد تخطى بعد الـ3000. ولم يكتف بذلك بل أعد ورقة التيار لتشخيص المشكلة وإيجاد الحلول لها، وهي الورقة الشهيرة نفسها التي جلبت له ولتياره (ولا تزال الى اليوم) كل القدح والذم والتعيير بالعنصرية والشعبوية.
أ- منتصف هذا الأسبوع، تصدّر الوسم (هاشتاغ) #SuriyelilerEvineDönsün أي «يا سوريون عودوا إلى بلادكم»، قائمة الهاشتاغات في تركيا، ويدعو الى طرد اللاجئين السوريين من تركيا. ولا يسقط في هذا السياق ما قامت به السلطات في أنقرة من إستغلال ورقة اللاجئين وتهديد أوروبا بها مقابل 4 مليارات دولارات حصلت عليها على شكل منح وهبات لا قروض، خلافا لما حصل عليه لبنان!
ب – قبل هذا التطور التركي وبعده، شهدت سوريا تسويات عدة بين النظام وفصائل مسلحة معارضة وبين الفصائل المعارضة نفسها، نُقلت بموجبها كتل بشرية هائلة من منطقة الى أخرى.
جـ – دول الاتحاد الأوروبي (معقل الديمقراطية وحقوق الإنسان) لا تكل في مسعاها لتخفيف ضغط اللاجئين عليها بمنح مالية لهم لتشجيعهم على العودة الى بلدانهم أو دول أخرى غير أوروبية، والاتفاق مع دول شمال أفريقيا على منعهم من التوجه الى أوروبا.
د – بريطانيا سبق أن خصصت 30 مليون باوند لتوفير إمدادات منقذة لحياة للاجئين الذين وصلوا الى شرق أوروبا، وحضّهم على التفكير في الذهاب إلى آسيا أو أميركا اللاتينية، إضافة الى تخصيص منح بغية تحسين البنية التحتية في دول غير أوروبية تكون راغبة في استيعاب لاجئين كانوا يأملون في الاستقرار في أوروبا.
هـ – ألمانيا عرضت 40 مليون يورو لبرنامج يشجع طالبي اللجوء داخلها، ممن تكون فرص الموافقة على طلباتهم ضعيفة، للعودة الى بلدانهم. وخصصت 1200 يورو لكل لاجئ (من كل من سوريا وأفغانستان وإريتريا والعراق ونيجيريا) لمغادرة ألمانيا، والتنازل عن طلب اللجوء بعد رفضه.
لا يخفى أن جبران باسيل لم يفقد الأمل بعد في أن تجد الورقة الأخيرة التي سلمها الى رئاسة الحكومة في 5 نيسان 2017، طريقها الى النقاش الموضوعي بعيدا من السجالات الحاصلة راهنا بين موالين للنظام السوري والمعارضين له. لا يرمي الرجل لا الى الضغط الى تعويم(!) النظام السوري كما يرشق المعارضون الموالين، ولا الى أن يكون التيار الوطني الحر جزءا من هذا السجال الحامي. كل ما يريده هو أن تقْدم الحكومة على ما تقاعست عنه مرارا في الأعوام الستة الفائتة، أي الى وضع إستراتيجية شاملة وخطة تنفيذية لحل معضلة النازحين، بدءا من وقف النزوح الذي لا يزال قائما حتى اليوم، رغم ما تحاول المنظمات الدولية حجبه عن اللبنانيين، وليس انتهاء بمقاربة عاجلة لمسألة الولادات غير المسجلة لا في لبنان ولا في سوريا، ما يطرح شكوكا عن سبب تقاعس المنظمات الدولية عن التحرك في هذا الصدد، منعا لتحوّل هذه الولادات (111000 ولادة!)، وخصوصا تلك غير المسجلة وتاليا غير المعترف بها، الى قنبلة ديمغرافية موقوتة على غرار ما حصل في مسألة النزوح الفلسطيني.
في ورقة باسيل الأخيرة الى رئاسة الحكومة تنبيه الى أن «سياسات دولية لا تزال تدعو الى إندماج النازحين في أماكن وجودهم»، ما يحتّم تطبيقا تدريجيا لـ«خطوات عكسية تؤدي الى تشجيع السوريين للعودة الى بلدهم وهو الحل الوحيد الممكن لهذه الأزمة، والتمهيد لهذه العودة الآمنة بطريقة مطابقة مع إلتزاماتنا الدولية. وبما أن تحقيق هذا الواجب الوطني لا يمكن أن يتم فورا وبدفعة واحدة، (…) فقد بات هذا الأمر يتطلب وضع خطة شاملة متكاملة (…) تقوم على الأسس التالية:
1-التأكيد على الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين واللاجئين (…).
2- التأكيد على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا (…) وعلى أن الحل المستدام الوحيد لأزمة النزوح هو في عودة السوريين الآمنة الى المناطق الممكنة داخل سوريا (…) والعمل مع الجهات المعنية لتهيئة ظروف هذه العودة (…).
3- تغيير المقاربة في التعاطي مع المجتمع الدولي لفرض ضرورة حماية وتحصين المجتمع المضيف، عملا بمبدأ تقاسم المسؤوليات المكرس في القانون الدولي، واشتراط تقديم المساعدات المباشرة للسلطات الرسمية في لبنان (…) مقابل قبول دخول مساعدات مباشرة الى النازحين على قاعدة متساوية» (التجربة الأردنية).
ويقترح باسيل اتخاذ مجموعة من التدابير، منها:
«أ- ضبط الحدود والاستمرار في إقفال المعابر أمام الدخول الجماعي (…) وحصر الدخول الفردي للنازحين بالحالات الإنسانية (…).
ب – الإمتناع عن اعتبار السوريين المتنقلين عبر الحدود نازحين (…) ونزع بطاقات النزوح من غير مستحقيها (…).
جـ – تسجيل الولادات (…) في سجل الأجانب لدى المديرية العامة للأحوال الشخصية على أن تجري متابعة تسجيلهم وفق الأصول لدى الدوائر السورية المختصة بحسب الأصول الديبلوماسية.
د – العمل على تسليم المحكومين السوريين في السجون اللبنانية الى سوريا بحسب الأصول القانونية(…).
هـ – قبول المساعدات والمشاريع بعد عرضها على مجلس الوزراء (…) بهدف مساعدة المجتمع المضيف والإعداد لخطة عودة المواطنين السوريين الآمنة الى بلادهم(…)».