ليست المرة الأولى التي تنسج فيها روايات حول حوار سعودي إيراني أو تقارب سعودي إيراني، وترسم استنتاجات حول هذين: الحوار أو التقارب.
آخر فصول هذه المسرحية ما قاله قاسم الأعرجي وزير الداخلية العراقي في 13 أغسطس (آب) الماضي، إن السعودية طلبت من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، التدخل للتوسط بين الرياض وطهران.
ليس بغير دلالة أن الأعرجي أعلن بداية عن هذا «الطلب السعودي» في خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني، في طهران، بعد أن كان زار السعودية والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وما لبث الأعرجي أن نفى تصريحه، بعد أربع وعشرين ساعة، عبر بيان مقتضب نشرته وزارة الداخلية العراقية، أكد فيه أن «السعودية لم تطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي التوسط بينها وبين إيران». ثم نفت السعودية نفسها صحة ما أدلى به الأعرجي.
كما ليس بغير دلالة أن تصريح الأعرجي جاء في اليوم نفسه الذي أعلن فيه السيد مقتدى الصدر عن زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة بعد زيارة للسعودية أثارت حفيظة الإيرانيين. وبالتالي ليس من باب المبالغة الاستنتاج أن تصريح الأعرجي ربما يدخل في سياق تشويش أكبر على زيارات الصدر وجهود التقارب السعودية والإماراتية مع العراق، ومحاولة وضع هذه الجهود العربية في سياق الرضوخ لإيران وليس في سياقها الطبيعي. ولا أُسقط من حساباتي أن الوزير العراقي، أخطأ في فهم الموقف السعودي العمومي الذي ينطلق من مبدأ رغبته الدائمة في علاقات حسن جوار مع الجميع، ولكن ليس بأي ثمن، ما جعله يفترض أن هذا الموقف العام هو دعوة له وللعراق للوساطة مع إيران!
لم يلغِ النفيان، السعودي والعراقي، مفاعيل التشويش التي أحدثها تصريح وزير داخلية العراق. أما إيران التي كانت مسرح التصريح فتأخر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أسبوعين، ليعلن أنه أجرى «محادثات مع بعض السلطات العراقة بعد زارتها إل السعودة، وأعلم بأن نشر بعض التصرحات في وسائل الإعلام لس دققا»، في إشارة إلى تصريحات الأعرجي.
لكن ظريف، في المقابلة نفسها مع وكالة إسنا الإيرانية، وفيما نفى تصريح الأعرجي، أضاف لمناخات التشويش حول «أسطورة» الحوار السعودي الإيراني حين أعلن عن قرب تبادل الزيارات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وأنه «تم إصدار تأشرات الدخول لکلا الجانبن». تصدر كلام ظريف عناوين الصحف، وصبَّ مياهاً إضافية في طاحونة «أسطورة» التقارب الإيراني السعودي، لا سيما أن وكالات الأنباء أغفلت سياق الزيارات التي أشار إليها ظريف وهي أنها مخصصة فقط لتفقد الوفود الإرانة والسعودة أحوال سفارتيهما لد البلدن، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في إثر حرق السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد مطلع العام 2016.
تصريحات ظريف في الواقع جاءت بعد مطالبات سعودية حثيثة بزيارة دبلوماسيي المملكة للسفارة والقنصلية وتفقد أحوالهما، واسترداد ملفات وموجودات في المقرين، قوبلت، حتى تصريح ظريف، بالتسويف من طهران. وقد سبق للخارجية السعودية مطلع شهر أغسطس أن كذبت ما وصفته «المزاعم الإيرانية حول استكمال الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في حادثة اقتحام» السفارة والقنصلية.
وفيما أعلنت السعودية جاهزية فريقها لزيارة إيران منذ ديسمبر (كانون الأول) 2016 ليشارك عند معاينة السلطات الإيرانية لممثليات المملكة في إيران، وإطلاعه على نتائج التحقيقات، لم تصدر الموافقة على تصريح هبوط الطائرة الخاصة بالفريق السعودي إلا في تاريخ 1 أغسطس 2017 بموجب مذكرة رسمية، وذلك بعد صدور بيان وزارة الخارجية السعودية.
يتضح أن تصريح ظريف الذي وضع خطأً في سياق «أسطورة» الحوار السعودي الإيراني هو استجابة لضغط دبلوماسي سعودي في سياق دفاع المملكة عن حقوق سيادية لها ليس أكثر.
الموقف الإيراني السلبي من الحوار مع السعودية لم يتغير، ولا أحسبه سيتغير في أي وقت قريب.
في ربيع العام 1996 زار الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني، الأمير آنذاك عبد الله بن عبد العزيز. كانت هذه ربما الزيارة الأنجح لمسؤول إيراني ولا تزال، لكن بعدها بأشهر حصل تفجير الخبر الذي تقف خلفه عصابات الحرس الثوري. بعدها بعقود زار محمود أحمدي نجاد السعودية مرتين أولى للمشاركة في القمة الإسلامية وثانية كضيف شرف القمة الخليجية عام 2007. بعدها رفعت إيران عقيرة المواجهة مع حلفاء السعودية في لبنان والعراق وغيرهما!! وبينهما دعوات وزيارات كثيرة آخرها ربما دعوة الأمير الراحل سعود الفيصل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي أنكر حتى تلقيه الدعوة في ذروة لغوه عن الحوار!
الحوار تلك الكلمة السحرية التي تجيد إيران وجماعتها التلاعب بها. حين اغتيل الرئيس الراحل رفيق الحريري، قتل وهو في ذروة الحوار مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ونعرف اليوم، أقله بحسب اتهام المحكمة الدولية، أن هناك شبهات تدور حول الدائرة الأقرب إلى نصر الله. كان «الحوار» ولا يزال واحدا من أدوات الجريمة الإيرانية، والجحر الذي «لا ينبغي أن نلدغ منه مرتين» كما لخص الأمر الأمير محمد بن سلمان.