IMLebanon

لنا حديثٌ مع الأسد العائد

 

 

سيعود بشار الأسد إلى “الجامعة العربية”، ولا غرابة في حضوره قمة الرياض في 19 أيار، فالمقدمات لم تتوقف منذ سنوات سواء من دول مثل الإمارات أدركت صعوبة تغيير النظام، أو من دولة بحجم مصر لم تستسغ إطاحته بسبب “عقدة الإخوان”. لكن تلك العودة يجب ألا تُغذّي أوهاماً ممانِعة بأن الرئيس المعاقب دولياً سيمسك أوراقاً في لبنان ويتحوَّل أحد عناصر “الرئاسيات”.

 

هو تطور كبير. لكنه مختلف عمَّا لو لحق انتصاره على ثورة شعبه في حلب قبيل انتخاب عون في 2016. فمنذ ذاك “الإنجاز” الذي حققته له “براميل بوتين”، لم يثبت الأسد أنه قادر على استرجاع سوريا، لا شعباً موحداً ولا مصالحة وطنية، ولا على استعادة النازحين، أو الذين فضَّلوا الهجرة إلى بلاد تحترم حقوق الإنسان.

 

الأسد عائد لأنه راهَن على الوقت وصمدَ على كومة الخراب، ولأن “زمن الممانعة” لا يقيم اعتباراً إلا لتحقيق المكاسب، ولو على حساب الأرواح والتنمية، ولا يرِدُ في ذهنه أن قيم العالم الحديث واجبة الاحترام.

 

يعود الأسد بعد الضوء الأخضر السعودي، وبعد خرق استراتيجي تمثَّل في الاتفاق السعودي – الإيراني. وهو حدث كرَّست فيه الرياض دورها كدولة إقليمية كبرى وكمركز للعالم العربي. والرياض إذ تعاود التعامل مع الأسد، فإنها تعلم حدود تعهداته ومدى صدقيتها، وتستخلص من تجارب الـ”سين سين” أن زمن “تبويس اللحى” ولَّى، وأن “خطوة مقابل خطوة” طريق الأسد الوحيد لتطبيع علاقاته مع العالم العربي.

 

كان أفضل لو بقي الأسد معزولاً في انتظار تسوية داخلية ترغمه على تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية، لكن الوقائع السياسية تتجاوز التمنيات، مثلما أن الوقائع الميدانية يمكنها مسح مئات آلاف التضحيات.

 

ليست عودة الأسد شأناً سورياً وعربياً خالصاً، إنها أيضاً شأن لبناني بامتياز، استعادتُه حضوره لن تزيد نفوذه في لبنان ما دام “حزب الله” وارثاً شرعياً للوصاية وقائماً بـ”واجبات” الهيمنة، لكننا بحاجة ماسة للتعاطي مع الرئيس السوري من منطلق رفع الضرر عن بلادنا. هو مسؤول عن السوريين النازحين، وعليه إعادتهم بأمان ووقف اللعب على الألفاظ مستغلاً تواطؤ المجتمع الدولي الداعم بقاءهم في لبنان.

 

لا ننتظر من الأسد مبادرات. هو مستفيدٌ من النزوح على كل المستويات. متخلصٌ من معارضيه. متخففٌ من واجبات دولته إعادة الإعمار وتشغيل دورة الحياة. مرتاحٌ إلى الدولارات التي يحولها السوريون المتدفقون إلى لبنان للكسب الحلال، ومن أولئك الذين يتاجرون بالحرام بين المعابر تحت أعين النظام.

 

أكثر ما يتمناه المواطن اللبناني من الدول التي ارتأت أن الساعة أزفت لعودة دمشق الدبلوماسية، الإصغاء إلى نداء استغاثة يطلقه كل لبنان، وهو أن يكون على رأس برنامج التطبيع مع الأسد عودة السوريين إلى ديارهم، لأن البلد الصغير ناء تحت حملهم الاقتصادي، وسيفقد جوهر وجوده بفعل اجتياحهم الديموغرافي.

 

فرض الشروط على الأسد غير مستحيل. صحيح أنه سيحتفل بعودته ويُفرح حلفاءه اللبنانيين، لكنه أضعف من أن يفاخر بأي انتصار. ضربات إسرائيل المذلَّة على دمشق وحمص وحلب والتي لا تفرّق بين عسكري نظامي أو “خبير” إيراني أو عنصر ميليشيات، ما عادت تواجَه حتى بكذبة “الرد في الوقت والمكان المناسبين”. سوريا ملعب وساحة ونقطة تنازع مصالح، لكن الفرصة باتت متاحة أمام النظام للعودة إلى “الصراط المستقيم”. هو يعرف أولوياته ومسؤولياته، لكن لنا في ذمته الكثير، وحقُّنا اليوم عليه إجراء “مخالصة” في قضية النازحين.