في حياتي لم يستوقفني موضوع أثار الناس واستحوذ على إعجابهم مثل موضوع المحكمة الدولية ووجود الوزير السابق النائب مروان حماده أمامها ليقدّم شهادته طوال أيام الأسبوع، وعلمت أنّ نسبة المشاهدين لهذا الحدث فاقت نسبتهم أمام أي حدث آخر يستأثر باهتمام اللبنانيين، وذلك بموجب إحصاءات الشركات الموثوقة.
قال البعض إنّه ليس هناك من جديد في مضمون الشهادة، وفي تقديرنا أنّ هذا الرأي الذي نحترمه نرد عليه بأنّه لو كان دقيقاً لما شدّت شاشة التلفزيون الناس بهذا القدر الكبير من المشاهدين:
أولاً- مجرّد أن يكون رقم هاتف بشار الأسد مع أحد المتهمين فهذا بحد ذاته دليل مهم يؤكد كل ما يتحدثون عنه في المجالس الضيّقة وحتى في الشارع العريض.
ثانياً- هناك نقطة بالغة الأهمية، وهي أنّ مروان حماده كان مبدعاً وموفقاً في السرد والتسلسل التاريخي وتقديم المعلومات المهمة التي كان يقدمها للمشاهد (ولاحقاً للقارئ).
ثالثاً- ويتساءل البعض: لماذا يعودون في هذه الجريمة الى الخلفية السياسية، وأي رابط بين الوقائع؟ ونود أن نجيب أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، رحمه الله، كان أكبر زعيم سنّي مر في تاريخ لبنان وتزعّم أكبر كتلة نيابية لبنانية، ناهيك بعلاقاته العربية والدولية…
ونكتفي باستعارة ما أشار إليه حماده حول علاقة الشهيد بكبار رجالات العالم أمثال جاك شيراك وجورج بوش وسواهما، إذ كان قادراً على أن يتصل بأي منهم مباشرة بالهاتف الخاص… ويلتقيهم ساعة يشاء أيضاً.
رابعاً- عندما يقتل سياسي كبير وليس مجرّد شخص عادي، مع احترامنا لجميع الناس، فالسبب الحقيقي للإغتيال هو سبب سياسي، والمحكمة الدولية ليست هوايتها هدر الوقت… صحيح أنّ المحاكمات في هذه المحكمة تستغرق وقتاً طويلاً إلاّ أنّ مستوى العدالة فيها هو الأعلى في العالم، ولذلك لا بد من التفاصيل الدقيقة جداً ليصدر الحكم ناتجاً عن اقتناع راسخ لا لبس فيه… فهم يدخلون في تفاصيل التفاصيل كي ينتفي أي خطأ أو احتمال خطأ… ثم انّ الأحداث التي سردها مروان حماده يربطها الناس ببعضها بما ينعش الذاكرة، فتتضح الصورة أمام الناس أكثر ممّا بدت عليه لحظة الجريمة الإرهابية.
خامساً- لقد أدّى التحقيق الى كشف أسماء أربعة متهمين بالإغتيال، ثم من خلال المحاكمة تكشف اسم خامس (وهم: سليم جميل عياش، أسد حسن صبرا، مصطفى أمين بدر الدين، حسين حسن عنيسي، حسن حبيب مرعي) وهذا بحد ذاته مهم، ألَيْس أنّ هؤلاء موجودون، يأكلون ويشربون وينتمون الى «حزب الله» في كوادره وقيادته! فلا أبو عدس ولا فيلم أتاري ولا أي اختراعات!
… والعدالة ستأخذ مجراها!