اليوم، وفيما كنت أحضر جلسة استجواب الشاهد النائب مروان حماده في المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي، عادت بي الذاكرة للحظات الى المراحل الكبرى من مسيرة هذه المحكمة التي دفع الاستقلاليون ثمنها بالدم والتضحيات الكبيرة، والتي ناضل من أجل قيامها ملايين اللبنانيين من كل البيئات اللبنانية في الداخل والخارج. تذكرت ليلة اغتيال جبران تويني التي شهدت بدء المعركة لتشكيل المحكمة، وقد انسحب وزراء الثنائي “أمل” و”حزب الله” من الحكومة لمنع قيامها. وتذكرت المعركة في كل مراحلها مع الرئيس إميل لحود، وفي مجلس النواب مع الرئيس نبيه بري، وفي جميع المواقع مع “حزب الله”، وخصوصاً مع نظام بشار الأسد. تذكرت تصميم سعد الحريري ووليد جنبلاط وشجاعتهما في مواجهة السلاح والإرهاب والترهيب. تذكّرت صلابة فؤاد السنيورة وأمين الجميل وسمير جعجع. تذكرت حركة مروان حماده وفارس سعيد وبطرس حرب ونسيب لحود ونايلة معوض. تذكرت قوة موقف دوري شمعون، والتصميم والشجاعة والصلابة والقوة لدى كل فرد من قادة الاستقلاليين على كل المستويات. تذكرت أنه في “ثورة الأرز” لم يقف القادة خلف الشعب، بل أمامه. تذكرت أن القادة الاستقلاليين في بلادي، أياً تكن عثراتهم ونواقصهم، إنما يتقدمون الناس، ولا يقفون خلفهم يتمترسون، ولا يختبئون. من أجل العدالة ولبنان سقط العديد منهم ولم يتغيّر الهدف: لبنان حر سيد مستقل تسوده عدالة. والعدالة مهما كانت بطيئة او متباطئة لا بد لها أن تتحقق يوماً على أرض لبنان.
استرجعت وأنا أتابع من الغرفة الزجاجية في المحكمة المخصصة للزوار، شريط الأحداث، والمفاصل الأساسية في مسار المحكمة التي اتهمت بأنها بدأت مسيّسة ضد نظام بشار الأسد، ثم تناسته لتتجه صوب “حزب الله” بقيادييه الخمسة المتهمين بتنفيذ عملية اغتيال الحريري ورفاقه. واذ بالمرحلة الثانية التي انطلقت يوم الاثنين الفائت مع مروان حماده وسوف تستكمل مع فؤاد السنيورة وشخصيات مهمة أخرى، تضيء على مرحلة الصراع حول طبيعة لبنان وموقعه ودوره.
هي ليست تسييساً للمحاكمة التي كانت في مرحلتها الأولى تقنية بحتة، وتناولت عملية الاغتيال في ذاتها استناداً الى الأدلة التي تجمعت لدى الادعاء العام. أما في المرحلة الثانية فإن المحكمة أرادت أن تدرس الظروف والمناخات التي كانت سائدة لدى حصول الاغتيال، وأهم هذه الظروف المشهد السياسي في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وقد تميّز بنشوب صراع كبير بين نظام بشار الأسد وحلفائه في لبنان، وفي مقدمهم “حزب الله”، والثلاثي رفيق الحريري – وليد جنبلاط – البطريرك صفير، تمحور حول، أي لبنان يكون؟
المحكمة الخاصة بلبنان حقيقة قائمة، وإيمان الاستقلاليين كبير بأنها ستستمر حتى يُساق المجرم الى العدالة… حتى لو كان اسمه بشار الأسد! فهل يتم استدعاؤه؟