عيون العالم على ساحة الحدث في سان دوني في باريس، هذه هي الصورة التي استيقظنا عليها بالأمس، ولكن الصورة الحقيقيّة التي تكاد تكون «صانعة الحدث» واليد التي تقف خلفه، هناك في دمشق، حيث «رفض» بشّار الأسد وما تبقّى من نظامه الهالك ومن جيشه المنهار في مقابلة لمجلة «فالير اكتويل» الفرنسية أن «بلاده لن تتعاون مع فرنسا في تبادل المعلومات الاستخباراتية إلا إذا غيرت باريس سياساتها في المنطقة»، لِمَ لا؟ ألم يقل مرّة وزير خارجيته وليد المعلّم يوم الأربعاء 22 حزيران من العام 2011: «سنعتبر أوروبا غير موجودة على الخارطة العالمية»!!
أحياناً، يُشفق المرء حتى على أشدّ الطغاة غطرسة و»فرعنة»، فادّعاء مظهر قوّة في وقت يكون فيه «الديكتاتور» سجين عقله المريض ومخبأه، من يقرأ ما قاله للمجلة الفرنسيّة يُدرك أن بشّار الأسد انتهى ولم يتّبقَ سوى أن «يقطع خبره» أقرب حلفائه فإما يُصفّيه الحليف الرّوسي لأنه لن يتقبّل فكرة تنازله عن السلطة لصالح حكومة إنتقاليّة، وإما أن يُصفّيه الحليف الإيراني إن قبل بهذا التنازل، وإمّا أن ينتحر لعدم قدرة هذا النوع من الشخصيات على تقبّل «نهاية حكمه»!!
لا يختلف حديث بشّار الأسد وتأنيبه لفرنسا: «لم تكن الحكومة الفرنسية جادة في حربها على الإرهاب فلن نضيّع وقتنا في التعاون مع بلد أو حكومة او مؤسسة تدعم الإرهاب»، لا يختلف في هذا عن ذاك الخطاب الشهير للديكتاتور الآخر معمّر القذافي الذي وقف ليقول: «أنا تاريخ»!!
بعد كلّ حديث لبشّار يسارع كثير من المحلّلين إلى الحديث عن «انفصال بشّار الأسد عن الواقع»، من دون أن يشرحوا كيف ولماذا «انفصل» عن واقعه، غالباً المصابون بمرض الفصام أو الشيزوفرنيا وهو علميّاً اضطراب في طريقة تفكير الشخص المصاب، تتبدل نظرتهم للواقع والمجتمع من حولهم، وقد يصل الأمر للإصابة بنوبات هلوسة وتخيّل أشخاص وأشياء ليست واقعية والتعايش معها كما لو كانت حقيقية، ويُعتبر هذا المرض أصعب الأمراض النفسية وأسرعها تدهوراً كما أنّه مرض مزمن لم يتمكّن العلماء من اكتشاف دواء نهائي له حتى الآن… والفصام يؤدّي إلى الانفصال، وعملية الانفصال بحدّ ذاتها هي عمليّة وقائية ولكنها مع مرور الوقت تصبح مشكلة الإنسان بحد ذاتها…
بشّار الأسد لا يريد أن يضيّع وقته ـ ولم يتنبّه أن وقته انتهى وساعته الرمليّة لم يتبقَّ فيها إلا ذراتُ رمل قليلة بعدد الأسابيع التي ستستغرقها تسوية فيينا ـ في مساعدة فرنسا لعدم جديّتها في محاربة الإرهاب، وحده بشّار وإيران وفلاديمير بوتين يحاربون الإرهاب، مع أنّ طائرات نظام بشّار استهدفت بالتكامل والتضامن مع «داعش» مناطق سيطرة الجيش السوري الحرّ، منذ مؤتمر جنيف 2 وتلك الاستماتة التي أبداها وليد المعلّم لحرف مساره عبر حديثه عن محاربة نظامه للإرهاب، وإثر فشله أخرج النظام من كُمّه ورقة الإرهاب، وهي ورقة لطالما لعبها بنجاح، وعرف العالم أنه يلعبها، وتركوا له حبل اللعبة حتى التفت على عُنقِ دول العالم ووصلت نيران عبث النظام «الداعشية» إلى دول أوروبا التي ألغاها وليد المعلم عن خارطة العالم؟!
أيّ معلومات سيتبادلها صانع «داعش» وموظّفها والخبير في استخدامها في العراق وتمويلها وتصدير كل إرهابيّي العالم إليه، ها هو يُصدّره إلى أوروبا، يعرف نظام بشّار الأسد مكامن ضعف هذا العالم منذ الجيش الأحمر الياباني والألوية الحمراء وكارلوس، ومنظومة إرهاب السبعينات السوفياتيّة كلّها، أي معلومات سيتبادلها بشّار الأسد ونظامه الذي يشتري الكهرباء والنفط من تنظيم «داعش»، ويقيم معه علاقات اقتصادية، أم سيتحدّث عن عمل نظامه مع تنظيم «داعش» سوياً وتعاونهما في تزويد سوريا بالطاقة، أم في دفع النظام الأموال للتنظيم مقابل الحصول على الطاقة، ودفعه الموظفين للعمل في منشآت لتوليد الكهرباء خاضعة لسيطرة «داعش، أم سيقدّم المعلومات عن المنشآت الحيوية التي تحوّلت إلى «مشروعات مشتركة» بين تنظيم «داعش» وبين نظام الأسد؟! هذه المعلومات يعرفها العالم كلّه، بما فيه دول التحالف الدولي التي تقصف «داعش» منذ أشهر من دون فائدة!!
سبق وكشفت صحيفتا «ديلي ميل» و»فايننشال تايمز»البريطانيتين أنّ تنظيم «داعش» يهيمن حالياً على ثمانية من أكبر موارد الطاقة في سوريا، كما أن كلاً من «داعش» ونظام بشّار الأسد يسيطرون بـ»شكل مشترك» على نحو 90 في المئة من مصادر الكهرباء في سوريا، ويتعاون «الحليفان الإرهابيّان» في هذا المجال، وفي تقرير نشرته جريدة «ديلي تلغراف» البريطانيّة في بداية العام 2014 تقريراً نقلت فيه عن مصادر استخباراتيّة غربية قولها إنّ نظام بشّار الأسد أنعش كلاً من تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» بشرائه النفط والغاز منهما مقابل مبالغ مالية كبيرة.
اسمحوا لنا أن نقول لدول العالم التي تدّعي محاربة «داعش»، أوقفوا هدر كلّ هذه الأموال والقنابل والطائرات والطلعات الجويّة، «داعش»صناعة الرّجل المريض بشار الأسد وحليفته إيران، «داعش» هي ذنب الأفعى، ومن يريد قتل الأفعى المتوحشّة عليها أن يقوم يقطع رأسها، حتى لا ينمو ذنبها من جديد!!