لم يكن مفاجئاً استدعاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس النظام السوري بشار الأسد أخيراً إلى سوتشي! فالأسد الذي لم يعد يحمل من الحلول شيئاً ذا قيمة منذ سنوات، هو في حقيقة الأمر حل في ذاته بالنسبة لبوتين، حل سمين صالح لأن يستخدمه رجل روسيا القوي داخلياً وخارجياً. يحرص الرئيس الروسي بين فترة وأخرى على إعادة تأهيل بشار الأسد من خلال الالتقاء به في روسيا أو في «الأراضي الروسية» في سورية والمتمثلة في القواعد العسكرية! يحرص دائماً، وكلما سنحت الفرصة، على إظهار الأسد كرئيس دولة وليس كأمير حرب صغير كما هو في واقع الحال!
لماذا يفعل بوتين ذلك؟ لأمرين رئيسين، الأول «شرعنة» الوجود العسكري الروسي في روسيا، وتجريم أي وجود آخر، من خلال شحن الأسد في الطائرات غير المجدولة وتصديره رئيساً شرعياً في مواجهة المجتمع الدولي. بوتين يعرف أن إخفاء الأسد لوقت طويل، أو التعامل معه على أنه أحد اللاعبين الصغار في الأزمة السورية، سيلغي شرعية وجود روسيا في سورية، وستبدو الدولة الكبيرة التي تسعى لأن تكون قطباً مكافئاً لأميركا، مجرد محتل مرفوض من أطياف سورية عدة! الرئيس الشرعي السوري من وجهة النظر الروسية هو الذي استدعى «عسكر بوتين» في شكل شرعي، وبالتالي فإن على الآخرين الذين لم تستدعهم الشرعية السورية أن يغادروا البلاد في أقرب فرصة. بوتين يريد أن يقول للعالم من خلال هذه اللقاءات إن بشار الأسد هو الرئيس الشرعي الوحيد لسورية، وأن هذه الشرعية وهذه الحصرية هما اللتان تملكان الحقوق القانونية لاستدعاء الأجانب أو طردهم من الأرض السورية.
الأمر الثاني هو إظهار الدعم الروسي لأسد ما بعد الحلول السلمية والتسوية السياسية. يحرص بوتين على أن يبقي بشار الأسد رئيساً شرعياً في الوقت الحالي، لكنه أكثر حرصاً على أن يظل هذا «الشرعي من وجهة النظر الروسية» موجوداً في السلطة بشحمه أو رسمه لسنوات طويلة مقبلة. روسيا –وإن زادت التكهنات والتخرصات في الوقت الحالي- لن تغامر بتسوية سياسية مع أميركا على حساب رأس الأسد، لأن ذلك يعني ببساطة أن الروس يضعون مستقبل قواعدهم العسكرية في سورية ومستقبل وجودهم في المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط على «كف عفريت»! من يضمن لروسيا أن السلطة السورية المقبلة التي «بلا أسد» ستكون حليفة لموسكو؟ ومن يضمن أن التسوية السياسية التي «بلا أسد» ستتعامل مع بوتين على أنه منقذ للبلاد وليس مجرم حرب قاتل للمدنيين!
روسيا التي تحتل الغرب السوري في الوقت الحالي ستعمل خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة على أن توطد حكم الأسد في دمشق، إما بإبقاء الرجل نفسه كممثل رفيع المستوى لموسكو، أو استبداله بحكومة «فيشية» تقوم مقامه وتؤدي دوره. ولن تتنازل أبداً عن هذا الحق المغتصب اغتصاباً في أي تسوية مقبلة، لأنها تعرف مثلما قلت أن وجودها الاستراتيجي في المنطقة مرتبط بوجود بشار نفسه، أو وجود نظام عميل شبيه!
لم يكن التقاء بوتين الأسد في سوتشي مفاجئاً مثلما قلت في بداية هذه المقالة، لكن المفاجئ في الحقيقة هو تفسير مبعوث الرئيس الروسي الخاص لسورية ألكساندر لافرينتيف لتصريح بوتين، الذي أكد فيه ضرورة انسحاب القوات الأجنبية الموجودة في شكل غير شرعي في سورية! لافرينتيف على غير عادة الروس كان واضحاً في تفسيره لتصريح رئيسه، ولم يستعر أبداً أياً من المفردات التي درج على استخدامها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مناوراته الديبلوماسية المعهودة! بل ذهب في شكل مباشر إلى تحديد الدول المعنية بحديث بوتين، وذكر من بينها إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها!
هذه المباشرة الروسية على غير العادة لم ترق للإيرانيين الذين ردوا بأنهم هم أيضاً تم استدعاؤهم في شكل شرعي من نظام الأسد! وأنه لا يحق لأي كائن من كان أن يخرجهم من الأراضي السورية.
ومبعث المفاجأة في هذه المسألة أن الروس قرروا مبكراً التخلص من الإيرانيين نزولاً عند رغبة إسرائيل، على رغم أن الوجود الإيراني في سورية قد يكون مفيداً للجانب الروسي في مناوراته السياسية مع أميركا التي تحتل الشرق السوري! مبعث المفاجأة في هذه التوجه الروسي الجديد ربما، هو أن الروس باتوا في الفترة الأخيرة يفصلون المصالح الأميركية عن المصالح الإسرائيلية، ولا يعدانهما مكملتان لبعضهما في المنطقة!
روسيا تتخلى عن إيران، هذا أمر مفهوم ومتوقع من حيث الشكل، فالروس عبر تاريخهم لم يكونوا حلفاء جيدين أبداً لأي أمة أو بلد، لكن روسيا تتخلى عن إيران في هذا الوقت وهذه الظروف!! هذا أمر قد يُدخل إسرائيل في عملية صيانة الحكومة البعثية الحالية في دمشق، وقد يجعلها تهدد من «يهدد بمسح بشار الأسد من على خريطة الكرة الأرضية» بمسحه من على خريطة الكرة الأرضية!! لننتظر، ونرى!