أسئلة كثيرة تواكب تسارع التطورات المتعلقة بإعادة سوريا عضواً مشاركاً في الجامعة العربية. لذا كان الاجتماع التشاوري الذي عقد في عمان. ولعل أهم ما في هذا الاجتماع هو تحديد خريطة طريق للتعامل بين العرب و»النظام الأسدي»، تنطلق من «مقابلة الخطوات الإيجابية للحكومة السورية بخطوات إيجابية عربية». وتنص على «دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة والإرهابية، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وفق أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة».
ونص بيانه الختامي على «أولوية إنهاء الأزمة عبر حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها… وبما يحقق المصالحة الوطنية». هذا من دون إغفال الوزراء المشاركين إبداء تقديرهم «للانخراط الإيجابي الذي أظهره وزير الخارجية السوري، في بحث المبادرات والخطوات التي عرضت خلال الاجتماع». وهذا التقدير يشير إلى أنّ النظام السوري إذا ما أنجز الخطوات الإيجابية، فالمكافآت كثيرة وكذلك جوائز الترضية على ما يبدو…
ولعل بشار الأسد يشعر بالاطمئنان والأمان حيال سعي العرب لاستعادته وتدليله بالمساعدات والدعم، ولذا أصدر بالتزامن، مرسوماً تشريعياً يقضي بإحداث «صندوق وطني» لدعم المتضررين من الزلزال، لتودع فيه «المِنح والإعانات والهبات والوصايا والتبرعات والمساهمات المالية ذات الطابع المحلي والدولي». ويخضع لعملية تدقيق مالي من مؤسسات «خارجية ذات خبرة عالية تعتمد نظام التدقيق المتّبع عالمياً»، والأهم أنّ هذا الصندوق سيكون بمنأى عن قانون العقوبات الأميركي «قيصر»، إذ أن المساعدات الإنسانية، لا تخضع للعقوبات.
ولكن الانجراف في التفاؤل يعكس تسرعاً… أو بعض السذاجة، لأنّ الاجتماع وضعه تحت المجهر. وعليه تحقيق خطوات عملية ليستحق المكافآت الموعودة. صحيح أنّ الدول المشاركة في «اجتماع عمان» لم تسأل النظام عن كل ما ارتكبه بحق الشعب السوري، لكن ما تضمنه البيان الختامي يشكل تحدياً له، لا سيما في البند المتعلق بخروج جميع القوات الأجنبية غير المشروعة منها، وإعادة اللاجئين السوريين ووقف تصدير الكبتاغون.
ويبقى السؤال: هل يستطيع الأسد الالتزام بما هو مطلوب؟
لعل الجواب يكمن في زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، وهي الأولى لرئيس إيراني منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. والإعلان عنها جاء كتتويج لرفقة الأيام الصعبة، وللاحتفال بالنصر والمشاركة بإعادة الإعمار، المفترض أن تموله الدول العربية القادرة.
والأهم أنّ الزيارة، كما صرّح مسؤولون إيرانيون هي لتكريس «المزيد من التناغم والتعاون بين البلدين وتعزيز قدرات المقاومة والاضطلاع بدور أكثر قوة في المنطقة». وهي أيضاً تهدف إلى «تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين وخصوصاً في الجانب الاقتصادي»، وسيتم خلالها «توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بالتعاون الاقتصادي».
بتعبير آخر، إيران تذكّر الأسد من خلال هذه الزيارة بأنه أيضاً تحت مجهرها، وأنّها شريكة «النصف +1» في ورشة إعادة الإعمار، وليست جمعية خيرية، فما استثمرته في سوريا بدأت محاصيله تلوح بالقطاف.
الواضح أنّ الرئيس الذي هجَّر نظامه وقتل وغيَّب أكثر من نصف شعبه، وبالكاد يسيطر على أكثر بقليل من نصف أرضه، لا يستطيع أن يكون سيد قراراته بين فكيْ كماشة ممسوكة من الأعلى بأجندات متباينة تجاهه…
بالتالي فإّن المعلومات الواردة عن أنّ الأسد يرفض تقديم أي تنازلات لوزراء الخارجية العرب مقابل عودة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، تحتاج إلى تصويب. هو سيغرق في التنازلات للأطراف التي تتحكم به الآن ومستقبلاً.
وسيبقى تحت المجهر. وهو على ما يبدو غير منزعج، لأنّ همه أن يبقى رئيساً. فقط لا غير…