«خبيث القلب قد يظهر من الأفعال والمظهر إذا يلقاك تلحظه كئيب الوجه والمنظر تساعده بمحنته فيصبح بعدها أقذر وكل الناس تعرفه كذوب القول إن أخبر» مجدي العوضي
في لقاء نادر مع حسن نصر الله في أوائل العام ، أيام الطفولة البريئة لتيارنا، نصح الأمين العام لـ»حزب الله« النواب المستقبلين المشاركين بالوفد «عدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية والذهاب للتفاهم مع سوريا لأن مصالح الدول تتبدل وقد يتفاهم بشار مع بوش أو من سيخلفه عند تقاطع المصالح، وعندها سنذهب كلنا ضحية سياسية لهذا التفاهم!». أجاب أحد الحضور بأن هذا الحديث يؤكد تلاعب النظام السوري في سياسته، وقد تكون المساومة مع أميركا أيضاً على حساب «حزب الله«.
تجاهل نصر الله الجواب وتجاهل قائله لباقي اللقاء، وشرع في ترطيب الأجواء ببعض النكات المتهكمة على المخابرات السورية.
يجب الاعتراف اليوم بأن نبوءة نصر الله تحققت بعد سنتين من اللقاء المذكور، ولكن على عهد نيكولا ساركوزي عندما بادر وانقلب على التزامات جاك شيراك، سلفه اللدود، تجاه قوى آذار ولبنان، مقابل وعود كاذبة من بشار الأسد حول علاقاته مع إيران والتزاماته في تحالفه معها.
جورج بوش المحبط يومها من تجربته الشرق أوسطية، ترك ساركوزي لمراهقته وانفعالاته، أما الأخير فقد وقع تحت وهم محاربة الإرهاب الذي تمثل يومها بـ»فتح الإسلام« التي أطلقها بشار الأسد أصلاً، فأعطيت الإجازة للسابع من أيار ولاتفاق الدوحة ومن بعدها لمهزلة «س- س«.
عندما اكتشف ساركوزي أن منظومة ولاية الفقيه لا تأخذ حلفاء بل رهائن وأن بشار هو إما مخادع أو رهينة في يد إيران، ندم علناً على غفلته ووقوعه ضحية الخداع في اعتقاده أن لبشار قدرة أو مصداقية في الوفاء بوعوده.
لم تمضِ أشهر حتى حلّ غضب الناس على أصدقاء ساركوزي الوهميين الذين كان يحلم ببناء الشراكة المتوسطية معهم بزعامته، فسقط بن علي وسقط القذافي وسقط مبارك، وبقي بشار بإرادة الولي الفقيه، أو ربما لأن ساعة ذهابه بقيت معلقة على خيط رفيع من التوازنات الدولية.
أخرج بشار أرنب التطرف والإرهاب من جيبه من جديد، وأطلق أعتى المتطرفين، الذين استخدمهم سابقاً، من سجونه أملاً في لفت الانتباه بعيداً عن إجرامه! ويجب الاعتراف بأنه تمكن من قلب المعادلة لصالحه لفترة من الزمن، وتمكن أيضاً من تحريك رأي عام واسع في دول القرار بدأ يقارن بين شرور نظامه وشرور الإرهاب المتطرف. كانت النتيجة هي أن شر بشار وما هو على شاكلته، وبالتالي شر «حزب الله« والولي الفقيه، يمكن محاورته ومساومته وبالتالي إجراء تسويات معه، أما شر «داعش« ومثيلاته فهو مطلق لا يمكن التسوية معه.
هنا قد يتساءل البعض عما حدث في الشهرين الماضيين وغير المعادلات السابقة؟
الواقع هو أن بشار أطلق الوحش وهو يظن أنه قادر على السيطرة عليه، لكن سرعان ما تضاعفت قوته وتعاظم شره فخرج عن السيطرة. أنا لا أنفي هنا احتمال المؤامرة، ولست ممن يثقون بالقوى الكبرى ولا حتى الصغرى، ويكفي أن نتساءل عن كيفية وصول آلاف المتطرفين للانضمام إلى عصابات الإرهاب من دون مراقبة أو موانع؟ ولكن بالنتيجة فقد بدأ الوحش بالتسرب إلى خارج سوريا، وأثبتت منظومة ولاية الفقيه عجزها الكامل عن المواجهة بعد أن حاول ركن من أركانها تقليد النمط السوري في العراق، فوقع المالكي في شر فعلته عندما تبين هزال المنظومة الميليشيوية المذهبية التي اعتمد عليها بعد أن تمكنت عصابات مسعورة من بضعة آلاف من اجتياح مناطق واسعة من العراق وطرده منها.
خلال الشهرين الماضيين حصلت تطورات متسارعة، فبعد بناء رأي عام في الدول الغربية بضرورة المواجهة مع الرعب الآتي من قاطعي الرؤوس أمام الكاميرات، عاد النشاط إلى أروقة واشنطن، وانطلق المتحالفون مع بشار، وأكثرهم من قادة مسيحيين في الشرق وفي الغرب، لطرح معادلة مواجهة الإرهاب عن طريق تعويم النظام السوري ومنحه الشرعية الدولية على أساس أنه «شر معروف»، والطرح الأبعد كان إعادة إحياء معادلة سابقة، أثبتت فشلها في السابق على أيام جورج بوش الإبن، وهي «التسامح مع التطرف الشيعي لمواجهة التطرف السني«.
هنا نام مشروع ولاية الفقيه على حرير، وظن أن اللقمة وصلت إلى الفم، وأظن أن الولي الفقيه كان على حق عندما قال إن الولايات المتحدة الأميركية، وربما على لسان «جون كيري»، قد طرحت إمكانية التعاون مع إيران في مواجهة «داعش«، وقد يكون ذلك من ضمن واجباته الديبلوماسية، أو ربما كانت محاولة أميركية لحث واستدراج الدول السنية في المنطقة للانضمام إلى التحالف المنوي بناؤه. لكن المؤكد هو أن الولي الفقيه لم يرفض التعاون كما ادعى لأنه كان سيتفاخر بذلك مباشرة بدل الحرد عندما لم يرد اسمه على اللائحة المتعاونة ضد الإرهاب.
الرسالة الحاسمة التي خرجت من قيادات المنطقة السنة هي أن الإرهاب السني لا يمكن مواجهته إلا من قبل تحالف عماده السنة، وهو ما نجح سابقاً في العراق عندما قضت «الصحوات» العشائرية السنية على تنظيم «القاعدة« هناك بعد دعم وتشجيع من قبل الإدارة الأميركية.
قد يكون خطاب الملك عبد الله حول الإرهاب هو ما أشّر إلى بداية تغيير المعادلة، ولا أستغرب إن كانت شروط المشاركة في التحالف تتضمن إقصاء بشار وإيران، ومن تابع خطابات وتصريحات زعماء الغرب يمكنه فهم هذا الواقع بوضوح.
اليوم من الواضح أن الولي الفقيه «حردان» فخطابه الأخير كان ينضح بذلك، كما أن تصريحات أتباعه حول حتمية فشل المواجهة مع «داعش« لا تدل إلا على الإحباط الكامل من فشل مخطط استخدام الإرهاب مجدداً، وهذا يعني حتمية انتهاء معادلة أوجدت هذه المنظومة السخيفة من حكام وقتلة ورداحين.
بشار، مع ذلك، ما زال يستجدي، فهو الطرف الأضعف في المعادلة، فأخرج وليد المعلم منذ مدة ليتمنى أخذ نظامه حليفاً، وعندما استبعد، خرجت بثينة شعبان لتهدد بإسقاط طائرات التحالف، وكلنا أمل أن تنفذ بثينة وعودها…
() عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»