Site icon IMLebanon

مبادرة من بشَّار تُطْلقها أسماء

تزامناً مع قصْف جوي روسي غير مسبوق من حيث الضراوة لمدينة حلب البشر والحجر وبعد ملاقاة بالسواعد والإبتسامات بينه وبين نظيره وزير الخارجية السورية وليد المعلم، المترئس وفد النظام البشَّاري إلى الدورة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة وقف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف يوم الجمعة الماضي (23 أيلول 2016) خطيباً من على المنبر الدولي ليقول «لقد حان الوقت لتعلُّم الدرس من الأزمات السابقة والحيلولة دون تحوُّل الوضع في سوريا إلى كارثة…». ولم يجد لافروف شاكرين لكلامه سوى الوزير وليد المعلم الذي قال: «إن العملية التي أطلقتْها القيادة الروسية في سوريا منذ عام كانت مهمة جداً في مجال محاربة الإرهاب وتستحق القيادة الروسية الشكر عليها. وأما بالنسبة إلى محادثاتي مع لافروف فإننا كالعادة توصَّلْنا إلى نتائج جيدة جداً. نحن ودولتانا أصدقاء، وعلاقاتنا تقوم على أُسس متينة…».

يحذِّر لافروف من «كارثة سورية» وكأنما الذي تفعله روسيا منذ سنة هو البناء والتطوير وإنشاء سدود ومراكز للعلوم، وليس عمليات قصف يقوم بها الطيارون الروس من دون رحمة غير مكترثين بالذي تتسبب به الغارات التي يقال إن روسيا تختبر خلالها أنواعاً متطورة من الأسلحة المحرَّمة دولياً.

وبصرف النظر عمّا يقال فإن ما تبثُّه الفضائيات حول ما تُسببه الصواريخ الروسية يكفي للجزْم بأن الرئيس بوتين بشَّاري أكثر من الرئيس بشَّار وأنه بالذي يفعله يتصرف إما كمنتقم وإما كحليف، إفترض أن مهمته في سوريا لن تستغرق أكثر من أسبوع يعود بعدها طياروه سالمين غانمين الموطئ القدم الراسخ للزعامة البوتينية، خصوصاً أن رئيسهم على موعد مع ولاية رئاسية جديدة ويريد أن تكون سوريا إحدى أوراق نفوذه في المعادلة الإقليمية. لكن عندما تبدأ سنة تلو أُخرى من التدخل الروسي والوضع لا ينتهي إلى الحسم المأمول، فإن ذلك يفسِّر لنا هذه الضراوة في القصف الجوي الروسي والذي كما أشرنا لا يأبه القاصف للآثار الناتجة عنه ما دام الدمار يلحق بالبنيان السوري في حلب وغيرها وما دام الذين يسقطون ضحايا ليسوا أطفالاً من الروس وإنما هم سوريون.

لقد حذَّر لافروف من «كارثة سورية» دون أن يوضح التفاصيل والمعالم، ونجد أنفسنا وغيرنا نتساءل: إذا كان هذا الذي يحدث ليس كارثة فما هي الكارثة إذاً؟.

وفي تقديرنا إن الكارثة التي يُحذِّر منها لافروف هي «كارثة روسية» وليست «كارثة سورية». وهي ستكون «كارثة روسية» لأن «الكارثة السورية» حصلت منذ اللحظة التي أجاز فيها النظام البشَّاري في غفلة عن الوعي أو تحت وطأة الخشية من تداعيات التغيير طفيفاً كان أو جذرياً، الإنتقام من إنتفاضة كان يمكن ببعض التضحية والتنازلات وبُعد النظر معالجتها بالحسنى، خصوصاً أن حالة من الأمل بالتغيير رافقت ترؤسه وكان الأشقاء العرب يحيطون به ملتفين حول خطواته على طريق التصحيح الثاني، لكنه ونتيجة غيبوبة عابرة في الوعي وجد أن الإلتفاف الإيراني عليه حل محل إلتفاف الأشقاء العرب حوله.

ونخلص إلى القول إن الرئيس بشَّار لم يغتنم فرصة إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية لإطلاق مبادرة واقعية وذلك من خلال كلمة يوكل إلى زوجته السيدة أسماء – وليس أحد غيرها – أمر إلقائها نيابة عنه من على المنبر الأممي. مبادرة تؤخذ على محمل الجد ويخلو مضمونها من كل عبارات التحدي التي حفلت بها السنوات الخمس، وتكون بمثابة إنتفاضة من النظام البشَّاري على الكارثة ومباشرة الكتابة في صفحة بقلم عربي بعدما تبيَّن أن القلم الإيراني ثم القلم الروسي حبَّرا الصفحات الأكثر مأساوية في كتاب «الكارثة السورية».

وقد تبدو مثل هذه الفكرة التي كنا نتمنى الأخذ بها على درجة من الغرابة، إلاَّ أنها في أي حال تبقى واقعية أكثر بكثير من تحذير لافروف من «كارثة سورية» مستمتعاً هو ورئيسه باللعبة الصاروخية التدميرية التي يمارسها الصديق الحليف الذي يدفع ثمنها الشعب السوري والرئيس بشَّار معاً. وما يجري ويقال خير تأكيد لما نراه. والله المنجي.