من المبكر التحدث عن صفقة حول تسوية قريبة في سوريا. فبالرغم من أن زيارة الأسد العاجلة لموسكو قبل يومين فتحت الباب أمام تكهنات المراقبين حول إشعال “نار خفية” تحت “طبق” التسوية بمبادرة روسية، وخصوصاً بعدما عاجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجموعة من القادة الدوليين والاقليميين، ومعظمهم من داعمي الثورة السورية، بسلسلة اتصالات تزامنت مع إعلان الخارجية الروسية عن اجتماع رباعي في فيينا يوم غد يضم وزراء خارجية روسيا وأميركا والسعودية وتركيا، محورها سوريا. وقد ارتفع منسوب الحديث عن تسوية ما يسوق لها الروس، جرى إطلاع بشار عليها خلال زيارته لموسكو، تركز على مفهوم “الفترة الانتقالية” و”السلطة الانتقالية”، مما حدا بالأسد إلى الإعلان من جانبه عن أن أي عمل عسكري لا بدّ أن يتبعه عمل سياسي!
هل يمكن التعويل على “مبادرة” روسية جدية تأخذ في الاعتبار أن على بشار الرحيل حتى لو بقي لفترة وجيزة (بضعة أشهر) خلال الفترة الانتقالية؟ من السابق لأوانه الرهان على موقف روسي بنّاء، فبوتين، وبعد عشرين يوما على بدء عدوانه على سوريا، لم يستهدف سوى المعارضة السورية المسلحة والعديد من الأهداف المدنية، في حين تحاشى رمي ثقله العسكري ضد تنظيم “داعش”. هذه الحقيقة المثبتة في تقارير دولية متقاطعة لا تشجع على الركون الى نيات الرئيس الروسي الذي يمكن أن يكون في تظهيره “عملية سياسية” مزعومة يهدف إلى تغطية توسيع عدوانه في سوريا، وزيادة الضغط عسكرياً على المعارضة بهدف إلحاق هزيمة ميدانية بها، ليتم تعديل موقف بشار التفاوضي تحت مظلة روسيا وإيران. كما أن تصميم روسيا على أن الأسد يبقى جزءاً من العملية السياسية لا يبشر بنهاية قريبة للحرب، ولا سيما أن القوى الإقليمية المعنية بدأت بامتصاص “صدمة” العدوان، وما عادت مسألة إمداد الثوار بسلاح نوعي بعيدة من الواقع.
والسؤال المطروح الآن: ماذا في جعبة روسيا بعدما قامت بتجميع العدد الأكبر من أوراق الجبهة الداعمة لنظام بشار؟
من المؤكد أن موسكو تعي محدودية إمكاناتها العسكرية والاقتصادية في ما يخص إطلاق حرب شاملة في سوريا. فدول الجوار الداعمة للثورة قادرة على مواجهتها بفاعلية في حرب تمتد في الزمن وتستهلك قدرات عملانية لا تملكها. إن جبهة إقليمية متراصة تقودها السعودية وتركيا، متفاهمة على استراتيجية مواجهة سوريا، قادرة على تحويل عدوان روسيا الى كابوس حقيقي. فالمشرق العربي ليس أوكرانيا، روسيا قوة عظمى محدودة القدرات على كل المستويات، واللاعبون الاقليميون يدركون ان بوتين يلعب في المساحة الفارغة التي تركتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي رفض إسقاط الأسد مدى أربعة أعوام.
في هذه الأثناء، يبقى بشار تحت الانتداب المزدوج الروسي – الإيراني “جثة” مرمية على مأدبة “اللئام” من طهران إلى موسكو… وواشنطن!