Site icon IMLebanon

بشار والانسحاب الروسي

لم تتضح بعد جميع جوانب صورة الانسحاب الروسي المعلن من سوريا. كما لم تتضح آفاقه وحجمه الفعلي والنهائي. وإذا كان القرار الروسي الذي جرى إعلام الأميركيين به مسبقا قد فاجأ جميع الأطراف الأخرى، وفي مقدمهم بشار الأسد والإيرانيون، واستتباعاً حزب الله، فإنه يعكس رغبة روسية أكيدة في تجنب الانزلاق الى حرب طويلة ومكلفة في سوريا. كما أنه يعكس رغبة روسية فيتثميرالتدخل العسكري ديبلوماسيا الى أقصى الحدود الممكنة، في ظل استمرار الانكفاء الأميركي الاختياري، وذلك انسجاما مع قرار إدارة الرئيس باراك اوباما إدارة الظهر للازمة السورية، وترك روسيا تتقدم المشهد. من هنا ترى موسكو أن أهدافها الفعلية من التدخل قد تحققت. فقد جرى إنقاذ النظام من السقوط المحتوم، إنما من دون منحه انتصارا حاسما في الميدان، على أساس أن الحل النهائي يمكن أن يشهد إخراج بشار وبطانته المباشرة من الصورة، لمصلحة تركيبة سورية مختلطة (ضمن نظام فيديرالي) تشرف عليها روسيا نيابة عن المجتمع الدولي.

طبعا من الصعب الحكم على مدى الانسحاب الروسي، وما إذا كان سيشمل خفضا حقيقيا للأعمال العسكرية ضد المعارضة السورية بفصائلها كافة. كما أنه من الصعب الحكم على قدرة روسيا في الضغط على بشار الاسد على طاولة المفاوضات، فيما تميل إيران الى التمسك بخيار مواصلة الحرب بأفق محاولة الحسم في الميدان!
وعليه، لا بد من مراقبة أداء وفد بشار المفاوض في جنيف، وما إذا كان سيعمل على نسف المفاوضات، مستندا الى تقاطع في المصالح بينه وبين الإيرانيين الذين يرفضون رحيل بشار في أي مرحلة، في ظل اعتقادهم أنهم قادرون على مواصلة المعركة بالرغم من كلفتها الباهظة عليهم وعلى أدواتهم، وفي مقدمهاحزب اللهالذي خسر حتى الآن مئات القتلى (أكثر من ألف وخمسمئة قتيل وثلاثة آلاف جريح).
أيا يكن من أمر الانسحاب الروسي، فإن ترجمته السياسية تحتاج الى مراقبة دقيقة الى طاولة المفاوضات من جهة، وفينبضبشار وبطانته. ولا شك في أن النظام ومعه الإيرانيون وميليشياتهم يدركون أن إنقاذ النظام من السقوط لا يعني بالضرورة إهداءهم انتصارا حاسما، وخصوصا أن بدء انسحاب روسيا يعيد ضخ منسوب لا بأس به من القلق فيشرايينالتحالف! في الخلاصة، من المبكر الحكم على القرار الروسي، في الوقت الذي تبدو فيه جميع الأطراف وقد سيطرت عليها البلبلة.
في الذكرى السنوية الخامسة لاشتعال الثورة السورية، يمكن القول بكل ثقة إن نظام بشار الذي أنقذه التدخل الروسي من شبح السقوط الذي يخيم عليه، لا يزال عاجزا عن تقديم نفسه جزءا من حل يمكن ان يؤمن عودة السلام والاستقرار الى سوريا. والحق أن النظام المتورط في قتل ما يزيد على ربع مليون سوري سيبقى جزءا من الماضي الدموي لا من المستقبل المشرق!