بدا نبأ الإعلان عودة سفارة عربيّة إلى عاصمة بشار الأسد، أقوى من دويْ كلّ الاغتيالات التي عصف بلبنان منذ العام 2005، وأعنف من صوت كل البراميل المتفجّرة التي ألقيت فوق رؤوس الشعب السوري الأعزل، وأكثر وقاحة من كلّ القصف الكيماوي الذي سقط ضحيّته عشرات الأطفال الأبرياء، وهنا، وبين هلاليْن، يستطيع كلّ العرب أن يرموا أنفسهم في «أحضان بشّار الجزّار»، وأن يمدّوه بالمال والدّعم وأن يهرولوا إليه أيضاً، لأنّ هؤلاء يستعدّون لاستقبال بنيامين نتانياهو خلال الشهر المقبل في البحرين، فعلامَ الاستغراب؟!
نتمنّى فقط، أن لا يُعيد هؤلاء تسليم لبنان لنظام الاحتلال السوري، وأن يأخذوا في الاعتبار، أنّ الحديث عن عودة عربيّة لمواجهة إيران في سوريا، مجرّد حجّة ضعيفة، إيران ومنذ عودة الخميني إليها في العام 1979 فتح لها النظام السوري الأبواب، وأنّ العرب أنفسهم تجاهلوا هذا الحلف الذي لم يكن وقحاً إلى هذا الحدّ، مع أنّ هؤلاء العرب هم أنفسهم اختبأوا خلف صدّام حسين وجيش العراق ليحارب إيران بالنيابة عنهم، وفي نفس الوقت «طنشّوا» عن تحالف النظام السوري مع إيران!
يستطيع كلّ العرب أن يعودوا بسفاراتهم عند بشّار الأسد، ويستطيعون أن يمكّنوه من السخرية منهم ومن أنظمتهم التي تطاول يوماً عليها ووصفهم بأنّهم «أشباه رجال»، هذا شأنهم، المشكلة أنّ هؤلاء لا يتعلّمون من أخطائهم، لقد تركوا إيران تتمكّن من المنطقة أربعة عقود، فكيف سيستطيعون «قلعها» أو «إضعافها» من سوريا بعدما تمكّنت ومكّنت لوجودها طوال 40 عاماً؟ فيما هم عجزوا حتى عن إيجاد حلّ للحوثيين ذراع إيران في اليمن، إلا إذا أرادوا أن يصدّقوا أنّ وقف إطلاق النار في الحديدة هو نهاية الحرب، هذه عادة إيرانيّة معروفة خبرناها في لبنان فهم لا يتراجعون خطوة إلا ليعاودوا الانقضاض «بس يقبّوا راسن»؟!
وللمناسبة،»بشّار لم ينتصر»، ولكن الحقيقة هي أنّ العرب «انهزموا»، وفي واحدة من أسخف الصور التي نشاهدها مسارعة العرب لدعم نظام عمر البشير في السودان، في لحظة تجمع المتناقضين والمتواجهين والمتحاربين، في لحظة إقليميّة عجيبة يشترك كمثال وليس حصراً الرئيسين رجب طيّب أردوغان وعبد الفتاح السيسي في دعم عمر البشير ونظامه، وما على المواطن العربي إلا أن يضرب «كفّاً بكفّ» ويستعوض الله في الشعب السوداني!
هذا المشهد العربي الذي يختم المشهد في نهاية العام 2018 مخيّب للآمال جداً، ومخجل أيضاً خصوصاً عندما يجري الحديث عن «صفقة القرن»، وأخوف ما نخافه أن يدفع لبنان الثمن مجدّداً، فالمشهد في المنطقة «عقيم» و»عبيط»، ومن البلاهة أن لا يلتقط اللبنانيّون اللحظة ويشكّلون حكومتهم وأن يستسلموا لرهن مصير لبنان دولة وشعباً لحساب ملفّات الصراع فيها لن يقودنا إلا إلى لعب دور الضحيّة!
لقد استقبلنا بداية العام 2018 بمقالة حملت عنوان «2018 تأبّط شروراً» وكتبنا في تلك المقالة: «إذا كانت نهايات العام 2016 حازت على ترّقب مزعج لعام انزاح بثِقَلٍ شديد عن المنطقة برمّتها بعد دمويّة تجاوزت قدرة العقل البشريّ على تحمله وأغلب ضحاياه من الأطفال فإنّ العام 2017 «تأبّط شرّاً» بعيد دخوله بدقائق بنهر من الدّماء في ملهى لارينا التركي وضحاياه، ولم يغيّر العام الماضي دمويّة العام 2016، بل زاد عليها، وتمادى حتى بلغ الذروة مع إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وتذكروا أن العام 2018 سيكون عام ضياع القدس العربيّة وإعلان يهوديّتها وعام تصفية القضية الفلسطينيّة وشعبها المرابط الصابر في أراضيه المحتلة، لم نخطىء عندما وصفنا العام 2017 قبل حلوله بأنّه «تأبّط شرّاً»، وبنسبة تشاؤم عالية نقول إنّ العام 2018 «تأبّط شروراً» والحبل عالجرّار!»، الآن وبنسبة تشاؤم تتجاوز أضعافاً مضاعفة تلك التي أطلّت مع العام 2018، يا ويلنا من العرب ومن شرٍّ قد اقترب!