يصادف يوم الاثنين القادم الثالث والعشرين من شهر آب الذكرى الرابعة والثلاثين لانتخاب الشيخ بشير الجميّل رئيساً للجمهورية وضمن المهلة الدستورية، رغم الاجتياح الإسرائيلي واحتلال العاصمة بيروت إذ كانت آخر مرة ينتخب فيها رئيساً للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، وإذ أنه ورغم عملية الاغتيال بعد عشرين يوماً فلقد تم انتخاب الشيخ أمين الجميّل رئيساً للجمهورية وتسلم صلاحياته من الرئيس الياس سركيس في الثالث والعشرين من أيلول، وهو التاريخ الذي كانت تبدأ فيه الولاية الرئاسية، وقد حافظ عليها اللبنانيون حتى إبان الحرب الأهلية. فانتخب الرئيس الياس سركيس قبل بدء المهلة الدستورية لكنّه تسلم مهامه الرئاسية في الثالث والعشرين من أيلول.
عندما دخلت المهلة الدستورية عام ٨٨ حاول البطرك صفير الحفاظ على الثوابت الوطنية والدستورية وهي في أن يرشح المسيحيون الرئيس وينتخبه المسلمون ضمن المهلة الدستورية، فبادر إلى دعوة النواب المسيحيين إلى بكركي الذين سموا أربعة مرشحين وسلمت الأسماء إلى الموفد الأميركي ريتشار مورفي قبل الإستحقاق الرئاسي، فجاء الرد بما عرف.. إتفاق مورفي الأسد.. مغايراً لإرادة المسيحيين مع التهديد بالفوضى، مما أوصل البلاد الى خيار الربع ساعة الاخيرة والذي تمثّل باستخدام الرئيس أمين الجميّل لصلاحياته الدستورية وتشكيل الحكومة العسكرية.
مع هذا التطور بدأ تكوين ثقافة الشّغور الرئاسي الذي استمر حينها أكثر من سنة وانقسم لبنان بين حكومتين، فجاءت الدعوة الى مؤتمر الطائف بعد قمة الرباط وتشكيل اللجنة الثلاثية من الملك فهد والملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، وانتقل النواب بعد الاتفاق على وثيقة الوفاق الوطني من مدينة الطائف الى مطار القليعات في الخامس من تشرين الثاني وانتخبوا الرئيس رينيه معوض مع تأييد كل من البطريرك صفير والفاتيكان،ثم اغتيل في الثاني والعشرين من تشرين الثاني، وكان آخر رئيس يرشّحه المسيحيون وينتخبه المسلمون.
الآن وبعد أربعة وثلاثين عاماً على إنتخاب الرئيسين بشير وأمين الجميّل آخر الرؤساء ضمن المهلة الدستورية، وسبع وعشرين عاماً على إنتخاب الرئيس رينيه معوض آخر رئيس سماه المسيحيين، تعيش رئاسة الجمهورية أزمة فقدان القواعد والأعراف وعدم احترام المهل الدستورية، ولا بدّ من الاعتراف للبطريرك الراعي محاولته السعي لإحترام الاستحقاق الرئاسي ٢٠١٤، فبادر الى عقد اجتماع للمرشحين الأربعة الكبار في بكركي على أسس واضحة، وكانت رغبة غبطته هي إعادة الاعتبار للعرف التاريخي وهو بأن يرشح المسيحيون الرئيس وينتخبه المسلمون ضمن المهلة الدستورية اي ان تتواصل عمليات الانتخاب حتى انتخاب واحد من المرشحين.دون مقاطعة أو تعطيل. يعرف اللبنانيون بأنّ هذه المبادرة خرقها المرشحون أنفسهم الذين اعادوا عملية الترشيح للمسلمين مما أدى الى عدم انتخاب رئيس.
يبدو حتى الآن أنه ليس بمقدور المسلمين ترشيح رئيس ينتخبه المسيحيون ورغم الثنائية المسيحية الجديدة، لأنّ رئيس الجمهورية الماروني يمثل عموم المسيحيين وهذه حقيقة تتعدى الطائفة المارونية الكريمة وفي هذه الظروف بالذات، وأكثر من أي وقت مضى، لذلك لا بدّ من إعادة الأمور الى مرجعياتها الكبرى وفي مقدمتها الفاتيكان وباريس اللتان تبديان اهتماماً فعلياً بالرئاسة ومستقبل المسيحيين في لبنان خصوصاً والمشرق عموماً مع تركيز استثنائي على فلسطين، مما يعزز الافتراض بأنّ الرئيس القادم ربما ينتج عن اجتماع مسيحي لبناني ترعاه الفاتيكان وبحضور فرنسي، لكي يتوافق المسيحيون على مرشح رئاسي ينتخبه المسلمون.. وهذا محض افتراض..