بين التحقيقات التي أجريت في مجلس الأمن في القوات اللبنانية في قضية اغتيال الرئيس بشير الجميل وبين التحقيقات الرسمية والقضائية التي أجريت في القضاء اللبناني بإشراف المحقق العدلي في القضية القاضي سعيد ميرزا بقيت اسرار وألغاز كثيرة لم يتم رفع الستار عنها وهي بعد 39 عاما تبقى محط تساؤلات في القضية التي كان يجب ألّا يبقى فيها أسرار. هذا التحقيق يتناول تلك التحقيقات والمراحل التي مرت فيها عملية الإغتيال من تجنيد حبيب الشرتوني حتى تنفيذ العملية وصولاً إلى ما تضمنته محاضر التحقيق.
في الثالث عشر من أيلول 1985، وفي الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال الرئيس الشيخ بشير الجميل، نشرت جريدة “الجمهورية” تحقيقاً تحت عنوان: “هكذا حصل اغتيال الرئيس بشير الجميل… ملف التحقيق الكامل مع حبيب الشرتوني”. وسألت: “لماذا لم يحاكموه بعد؟”. ونشرت أيضاً محضراً للتحقيق مع نوال الشرتوني، شقيقة حبيب، ومحاضر ومستندات مختلفة.
ما استدعى التوقف عند هذا الموضوع والعودة الى ما نشر الأمور التالية:
* الذكرى السنوية التاسعة والثلاثون لاغتيال الشيخ بشير وبقاء نقاط كثيرة لم تكشفها التحقيقات.
* إن جريدة “الجمهورية” التي صدرت تلك السنة كانت لصاحبها (نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والدفاع لاحقاً) الياس ميشال المر، وموالية لرئيس “الهيئة التنفيذية لـ”القوات اللبنانية” آنذاك، الوزير إيلي حبيقة.
* إن التحقيقات الأولية مع منفذ عملية الاغتيال حبيب الشرتوني حصلت كلها في “جهاز الأمن” الذي كان مسؤولاً عنه إيلي حبيقة نفسه، وبالتالي لا يعرف إذا كان هذا التحقيق المنشور تضمن كل الاعترافات عن ملابسات جريمة الاغتيال والذين شاركوا في التخطيط لها.
* إن نشر هذا التحقيق حصل بعدما كان تم تسليم الشرتوني الى الدولة اللبنانية في 30 نيسان 1983، ليبدأ معه المحقق العدلي القاضي سعيد ميرزا تحقيقاته الرسمية. وقد رفض الرئيس ميرزا الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بالملف بعد الإتصال به، معتبراً أن كل ما لديه قاله في القرار الإتهامي، وأنه يعتصم بالصمت لأن الملف بات في عهدة القضاء وانتهت المحاكمة فيه.
القاضي سعيد ميرزا
* إن هذا التحقيق ليس رسمياً ولكنه يتضمن معلومات أخذ المحقق العدلي بالبعض منها، بعد إعادة إستجواب الشرتوني، وأغفل أخرى على قلتها، ولكنه أضاف إليها تفاصيل ومعلومات جديدة ربما كانت أخذت من حبيب الشرتوني لدى التحقيق معه في جهاز أمن “القوات”، وربما أغفل ذكرها. ومن هذه المعلومات مثلاً كيف تم بيع البناء الذي حصلت فيه عملية التفجير من جدّ حبيب الشرتوني الى حزب الكتائب، بالتزامن مع التحضير لتنفيذ عملية التفجير، ووجود شخص آخر تعاون مع نبيل العلم لم يتم التوصل الى تحديد هويته.
* إن المحقق العدلي سعيد ميرزا أصدر قراره الإتهامي في هذه القضية في 29/10/1996، أي بعد 14 عاماً على عملية إغتيال الرئيس الجميل، وبعد عامين على حل حزب “القوات اللبنانية” واعتقال قائدها سمير جعجع، وذلك في ظل عهد الوصاية.
* التحقيق لدى جهاز أمن “القوات” كما القرار الإتهامي يحصر التهمة بحبيب الشرتوني وبنبيل العلم، وإن كان تم ذكر أنه لم يتم تحديد الجهات التي كان يتعامل معها نبيل العلم.
* إن الملف أصبح من الماضي، خصوصا بعدما أنجز المجلس العدلي برئاسة القاضي جان فهد المحاكمة في هذه القضية وأصدر حكماً غيابياً بالإعدام على حبيب الشرتوني ونبيل العلم (بسبب عدم تأكيد حصول وفاته رسمياً) في 20 تشرين الأول 2017.
* على رغم ما ورد في التحقيقين القواتي والقضائي، ثمة خفايا كثيرة لا تزال تكتنف لغز التحضير لتنفيذ عملية الإغتيال، خصوصاً في ما يتعلق بالجهة التي كان ينسق معها نبيل العلم.
* إن ما تم نشره في جريدة “الجمهورية” هو المستند الوحيد المتوفر ـ رسمياً ـ عن التحقيقات التي حصلت مع الشرتوني داخل “القوات”.
ومن هذا المنطلق يتم اعتماد هذا التحقيق مع تحديد ما أضافه عليه القرار الإتهامي وما أغفل عنه.
بعد 39 عاماً على عملية إغتيال الشيخ بشير الجميل، لا تزال هناك أسرار كثيرة لم يتم الكشف عنها. لقد صارت القضية ملك التاريخ، ولكن السعي الى الحقيقة الكاملة هو الذي يستوجب البحث عن هذه الحقيقة لتكوين الرواية الكاملة. أين هي هذه الحقيقة؟ وأي فصول لا تزال مجهولة؟ وكيف تدرجت العملية من البدايات إلى النهاية؟
– في 3/12/1982، تمت إحالة قضية إغتيال الرئيس الشيخ بشير الجميل الى المجلس العدلي.
– في 15/12/1982، أصدر وزير العدل قراراً بتعيين القاضي سعيد ميرزا محققاً عدلياً في هذه القضية.
– في 28/12/1982، صدر إدعاء مدعي عام التمييز النائب العام لدى المجلس العدلي.
– في 3/5/1995، صدرت مطالعة مدعي عام التمييز النائب العام لدى المجلس العدلي.
– وُجهت التهمة الى كل من حبيب طانيوس الشرتوني مواليد 1958 الذي أوقف وجاهياً في 5/5/1983، وفر من السجن في 13/10/1990، ثم أوقف غيابياً. والى نبيل فرج العلم مواليد 1945 الذي أوقف غيابياً في 2/2/1984 وبقي فاراً من وجه العدالة. والى كل من يُظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو محرّضا أو متدخلاً. وهو الأمر الذي لم يظهر أبداً في ما بعد في التحقيقات العدلية وفي المحاكمة.
– في 29/10/1996، أصدر المحقق العدلي القاضي سعيد ميرزا قراره الإتهامي.
– في 2/11/1996، إدعى المحامي العام التمييزي القاضي أمين بو نصار على حبيب الشرتوني ونبيل العلم وفقاً لما ورد في قرار الإتهام وطلب محاكمتهما أمام المجلس العدلي.
– كشف القرار الإتهامي أن مديرية الأمن العام لم تقم بأي تحقيقات، وأن مديرية المخابرات لم تُكلَف بالتحقيق، وأن فصيلة الأشرفية كشفت على مكان الإنفجار، وأن الرائد شحاده معلوف الخبير في المتفجرات كشف على مكان التفجير بتكليف من قيادة الجيش.
– في 2/3/1982، كشف ميرزا على مكان التفجير وتبيّن أنه تمت إزالته ولم يبق منه سوى غرفة الإتصالات.
– في 30/4/1983، تم تسليم حبيب الشرتوني الى القضاء اللبناني، بعدما بقي موقوفاً منذ 16 أيلول 1982 لدى جهاز الأمن في “القوات اللبنانية”.
– في 2/5/1983، جرت أول جلسة تحقيق قضائية مع الشرتوني، وتم الإستمهال لتكليف محام خاص أو من نقابة المحامين الدفاع عنه قبل بدء إستجوابه.
– في 4/5/1983، جرت أول جلسة إستجواب لحبيب الشرتوني أمام المحقق العدلي بعد تعذر وجود محامٍ للدفاع عنه.
– في 9/5/1983، تسلم قاضي التحقيق معلومات عن نبيل العلم من نقابة المحامين المسجَّل فيها مع صورة شمسية له ونسخة عن إخراج قيده الشخصي.
– في 10/5/1983، جرت جلسة الإستجواب الثانية مع حبيب الشرتوني.
– في 11/5/1983، تسلم المحقق العدلي المواد الجرمية المضبوطة.
– في 1/6/1983، حصلت جلسة الإستجواب الثالثة مع الشرتوني.
– في 13/6/1983، تم إيداع ملف إغتيال مايا بشير الجميل جانب مدعي عام التمييز لورود إسم نبيل العلم في هذه القضية، مع العلم أن عملية إغتيال مايا كانت محاولة لاغتيال الشيخ بشير الجميل، وكانت أحيلت على المحكمة العسكرية وأوقف فيها لاحقاً كل من نزيه شعيا وميلاد موسى وجوزف كازازيان.
– في 15/6/1983، جرت جلسة الإستجواب الرابعة مع حبيب الشرتوني، كما تم إستجواب شعيا وموسى وكازازيان وبضعة شهود.
– في 24/6/1983، تم إستجواب خالد نزها الذي يذكر حبيب الشرتوني إسمه في خلال التحقيق معه كأحد العاملين مع نبيل العلم في شعبة الأمن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان موقوفاً أمام القضاء العسكري في قضية أخرى.
– في 9/8/1983، إستمع المحقق العدلي لحبيب الشرتوني في جلسة تحقيق خامسة.
– نبيل العلم كان محل سكنه في حي الوتوات ـ زقاق البلاط في بيروت ملك النعماني، وكان مكتبه في رأس بيروت ملك عفيف صقر.
– 1976، سافر الشرتوني الى قبرص ثم الى فرنسا حيث تابع تعليمه حتى العام 1979.
– عام 1975، إلتقى الشرتوني هنري هاني من بلدة بينو وطوني أبي نادر من شرتون، وذهب مع هاني الى بيت الطلبة التابع للحزب السوري القومي الاجتماعي في ساحة الدباس، حيث بدأ يظهر إنتماءه الى هذا الحزب قبل أن يحلف اليمين.
– كان منزل والدي الشرتوني في شارع الزهار قرب برج رزق.
– قبل سفره في ربيع عام 1976، وبعد دخول قوات الردع العربية، تردد حبيب الى مركز الحزب القومي قرب أوتيل الجبيلي في عاليه، حيث التقى المنفذ كميل عبد الخالق وتسلم رشاشاً حربياً وقام بالحراسة لمدة ثلاثة أشهر، وكان يلتقي قريبه أسعد الشرتوني وعمه شفيق، وهما عضوان بارزان في الحزب القومي (كما ذكر القرار الإتهامي). في تلك المرحلة كانت قيادة الحزب القومي ضد الجيش السوري الذي كان في حال صدام واشتباك مع أحزاب الحركة الوطنية، وقد شهد الحزب حالات إنقسام بسبب الموقف من سوريا. بالنسبة الى عم الشرتوني، فهو عاد وأكد في أحاديث صحافية منشورة له إنتماءه الى الحزب، وهذا الأمر لم يأتِ على ذكره التحقيق الذي حصل لدى جهاز الأمن.
– صيف 1977، عاد الشرتوني من فرنسا وقصد منفذية عاليه في الحزب القومي، وطلب الإنتساب رسمياً الى الحزب وقابل ناظر الإذاعة جورج حداد وحضر حلقات إذاعية، وأدى قسم الولاء الى الحزب نهاية صيف 1977. وقد يكون سبب هذا الأمر يتعلق بمحل ولادة الشرتوني في شرتون في قضاء عاليه.
– قبل عودته الى فرنسا، زوّده جورج حداد برسالة مكتوبة بخط يده باللغة الفرنسية موجهة الى جورج برجي مندوب الحزب في فرنسا. مطلع خريف 1977، سافر الشرتوني. وفي تشرين الأول قابل جورج برجي في منزله وأقام الشرتوني في ضاحية نانتير.
– شارك الشرتوني في لقاءات حزبية قومية ضمن منفذية الطلبة، وشارك في نشاطات طلابية دعماً للحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
– قبل أن ينهي سنته الدراسية الثالثة، إلتقى الشرتوني نبيل العلم في منزل جورج برجي، وكان العلم وقتها مندوب الحزب القومي الجوال في أوروبا. وهذا يرجح أن يكون اللقاء حصل في عام 1978. ولكن خلافاً لهذا الأمر أورد تحقيق الأمن في ذلك الوقت أن الشرتوني كان التقى العلم ولو بصورة غير شخصية في مركز الحزب في بيروت.
– عام 1979، قبل انتهاء سنته الدراسية الثالثة، إلتقى الشرتوني العلم الذي زوّده رقمي هاتفه في بيروت للإتصال به بعد عودته الى لبنان. ربما خلال ذلك كان العلم عَلِمَ من الشرتوني أنه يقيم في الأشرفية وأنه كان يحتاج الى تجنيده كمخبر تابع له، خصوصاً أن العلم في ذلك الوقت، خريف 1979، كان يعمل على تنفيذ إغتيال الشيخ بشير الجميل قائد “القوات اللبنانية”، مع الأخذ في الإعتبار أن المحاولة الرئيسية حصلت في 23 شباط 1980 في طلعة العكاوي في الأشرفية، وقد استشهدت فيها إبنته مايا مع عدد من المرافقين. ولا يذكر القرار الإتهامي معلومات تربط بين بدء العلاقة بين الشرتوني والعلم، وبين انتقال عائلة الشرتوني للإقامة في منزل جده نعمان صابر في البناء الذي يملكه، وحيث يوجد في الطابق الأرضي منه قسم كتائب الأشرفية الذي يتردد إليه الشيخ بشير بعد ظهر كل ثلاثاء.
يتبع: كيف بدأ نقل المتفجرات؟