IMLebanon

حتى خصومه تمنّوا: ليت بيننا مثل بشير

 

 

حبيب الشرتوني ميت أينما كان

“نريد رئيساً وقف ولو مرة واحدة على قبر شهيد”. لم يقل بشير الجميل ذلك عن عبث بل لأنه عرف أن لبنان ما كان ليبقى لبنان لو لم يستبسل شبابه دفاعاً عن الأرض والعرض والوجود. هو الرئيس الدينامي الممتلئ صدقاً، الذي يعرف كيف يقول كلمته مهما تكن صعبة ومهما تكن الفاتورة باهظة. بشير، استشهد وهو في القمّة، متوجاً في قلوب اللبنانيين عموماً لا المسيحيين وحدهم، وبات الروح والرمز والضمير والنضال. أربعون عاماً مضَت. أربعون عاماً وهو في البال في حين أن القاتل حبيب الشرتوني حرّ طليق. فهل من يعرف عن القاتل شيئاً؟

غريبٌ أمر القتلة. غريبٌ أمر الجناة حين يفاخرون بفعلتهم ويلقبون من فجّر بيتاً بأهله وناسه بطلاً. الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي انتمى إليه القاتل، أزال فقرة: البطل حبيب الشرتوني من موقعه الإلكتروني حديثاً. جيّد. لكن ماذا عن آراء القوميين السوريين؟ رئيس المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الإجتماعي سابقاً حسان صقر استقال من مسؤولياته في الحزب بعد الإنقسام الذي شهده وهو اليوم، كما قال، على الحياد. حزبياً، هو قومي الإنتماء والهوية والقضية لكن بلا صفة حزبية. نسأله عن قاتل البشير فيجيب: “بشير كان يقاتل في الحرب البنانية وكان جزءاً منها كما كان غيره جزءاً من الحرب. ومن يشارك في الحرب قد يَقتل وقد يُقتل”. نذكره ان الحرب مواجهة وليست اغتيال رئيس للجمهورية اللبنانية فيتجاوز السؤال متحدثاً عن “السبت الأسود” وقتل عشرات القوميين على يد الكتائب والقوات اللبنانية. نعود لنذكره ان بشير انتخب من مجلس النواب اللبناني رئيساً لكل لبنان فيجيب: “إنها مجرد مرحلة من الحرب لا انتخابات سيادية وبشير أتى في ظل الإحتلال الإسرائيلي لبيروت. وبالتالي الإنتخاب لم يؤسس الى مرحلة جديدة بل كان استكمالاً لمرحلة الحرب. ومن يقول ان بشير كان جامعا غير محقّ”.

 

لكن اللبنانيين لاقوا بشير على اختلاف مشاربهم وطوائفهم في 21 يوماً؟ يجيب صقر: “يوم انتصرت إسبارطة على اثينا هناك من هلل من الفينيقيين ويوم عاد الأثينيون وانتصروا على اسبارطة هلل أولئك أنفسهم لأثينا ايضاً. الشعب اللبناني بارع في الإنقسام حتى بين ريال مدريد وبرشلونة. ونحن نرى ان حبيب شارك في الحرب على طريقته وجرّب ان يدفع الى انتصار مشروعه المناقض لبشير. وهو من أنهى المشروع الإسرائيلي في لبنان”. لكن هناك قراراً قضائياً صدر بإعدامه؟ يجيب صقر “الدولة نفسها التي اصدرت هكذا قرار هي التي قررت إعدام أنطون سعاده. الكتائب والقوات قتلوا الآلاف فهل هم من بيت فرفور وذنبهم مغفور؟”.

 

هل نفهم من ذلك ان الحرب لم تنته؟ يجيب “بناء لبنان الجديد لا يتم إلا على حوار هادف فحواه: أي لبنان نريد؟ ونحن نقول ان لبنان حتى يكون له أمل بالحياة يجب أن يبنى كدولة مدنية وكتاب تاريخ موحد والإجماع على عداوة إسرائيل. وهذا ما أدعو إليه حتى مع أعتى الخصوم كونها الطريق الوحيد لمدّ الجسور لبناء المستقبل”.

 

سمعنا حسان صقر للنهاية. فلنسمع اللبنانيين، من أحبوا البشير، وهم كثيرون. يعتبر القوميون السوريون قاتل البشير بطلاً. في حين يعتبر كثير كثير من اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، أنه لو قُدّر لبشير البقاء حياً لكان لبنان – الحلم ولد. لكانت الجسور توطدت في الواقع لا في التمنيات في لبنان العشرة آلاف وأربعمئة وإثنين وخمسين كيلومترا. ولكان لبنان قوياً قوياً قوياً.

تشويه الإستشهاد

 

لم يعد يهم أين هو حبيب الشرتوني فهو ميت أينما كان. أما البشير فانتصر للحياة، لحياة الكثيرين، بالإستشهاد. لكن، ما يسيء الى كثير من اللبنانيين هو إصرار البعض على تصوير البشير عميلاً. وتصويره هكذا معناه أن محاولتهم تلك تنسحب على الملايين في لبنان. فهل يجوز السكوت عن ذلك؟ ناصر قنديل، كتب في ما مضى، يوم صدور حكم الإعدام بالمجرم الشرتوني، تحت عنوان: “مع الإعتذار من حبيب الشرتوني” وسماه في فحوى ما كتب بالمناضل. فكيف يا تُرى يُبنى لبنان هكذا؟

 

ناصر قنديل يقول “منذ تأسيس الكيان اللبناني وهناك انقسام في النظرة الى الهوية، تجدد مراراً زمن الإحتلال الفرنسي ومؤتمرات الساحل وثورة 58 وحلف بغداد وموقع لبنان من الحياد والمواجهة مع عبد الناصر ثم الوجود الفلسطيني وحتى في النظر الى بطولة المير فخر الدين وكميل شمعون ثم بشير الجميل وحتى أغنية “بيي راح مع العسكر حمل سلاحو حارب وانتصر في عنجر” موضع خلاف. فهناك من يرى انتصاراً في عنجر، على آل حرفوش شيعة بعلبك، وهناك من يرى في ذلك مكيدة. وبالتالي أتت كتابة التاريخ من وجهة نظر واحدة. فهناك من سلط الضوء فقط على لحظات صعبة في راشيا وهناك من اعتبر أدهم خنجر بطلاً في حين رآه البعض الآخر من قطاع الطرق. وهكذا الأمر بالنسبة الى بشير الجميل وحبيب الشرتوني. والحلول تكون بالمصارحة والمكاشفة واعادة كتابة التاريخ”.

 

هل هذا معناه ان هناك من يريد إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر مختلفة؟ يجيب قنديل “فليعرض كتاب التاريخ وجهتي النظر. فليسألوا وليد جنبلاط عن رأيه بالمير بشير”.

 

اليوم ذكرى إغتيال فخامة رئيس جمهورية لبنان الشيخ بشير الجميل. الحلم مات. هناك من يريد إعادة كتابة التاريخ وهناك من يريد إستخدام صفة العمالة بالشيخ بشير وهناك من يصرّ على اغتيال بشير الجميل من جديد باستخدام عبارة “العمالة” قبل اسمه. ما رأي كريم بقرادوني، أحد أصدقاء البشير، بكل ذلك؟

 

وين مخبيينو؟

 

يقول بقرادوني “إن البشير يستمرّ، بعد أربعين عاماً، رمز المقاومة، يضيف: “هناك بعض العقائديين والحزبيين أمثال القومي السوري وبعض الشيوعيين يستخدمون صفة لا تليق ببشير. أعتقد أن مثل هذا الكلام قديم وغير واقعي بدليل أن بشير كان أول من رفض توقيع إتفاق سلام مع إسرائيل. وهذا ما عرفه المسلمون والمسيحيون. وصائب سلام قال لي شخصيا بعد لقائهما: وين كنتو مخبيينو؟ بشير الجميل كان يقول دائماً: مهمتي الأولى تحرير لبنان من الفلسطيني والسوري والإسرائيلي. محبو بشير أصبحوا، في 21 يوماً، كثراً، وفي اعتقادي أن الرأي العام العربي، بين عامي 1982 و2022، أصبح في مكان آخر مختلف تماما”.

 

كريم بقرادوني يطرح سؤالاً: هل أجريتِ إستفتاء عن رأي اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم، ببشير؟ إسأليهم: ماذا أول ما تفتكرونه عن بشير؟ ستتفاجئين لأنهم فهموا أن مشروعه كان تحرير لبنان وضدّ التوطين. وهذا ليس من باب النظريات أبدا”. ورداً على من يكررون أن بشير إنخرط في الحرب ومن يدخل في الحرب قد يَقتل وقد يُقتل قال بقرادوني: “وُجد بشير في مرحلة منطق الحرب فيها هو الأقوى. لم تكن بالتالي الحال كما هي اليوم. وفي مرحلة الحرب ومنطق الحرب يكون منطق القوة هو الأقوى وإذا لم تعرفي كيف تدافعين عن نفسكِ فلن تستطيعي الصمود. وهذا المنطق ينطبق على الجميع. والتوازن مطلوب. بشير وجد نفسه في الحرب ولم يخترها” ويستطرد بقرادوني بالقول: “أتذكر أن كمال جنبلاط سأل يومها ياسر عرفات: كم تحتاجون الى وقت لدخول المنطقة الشرقية؟ أجابه: أسبوع”.

 

يلفت بقرادوني الى “أن حالة بشير لم تكن عادية. وهو كان دائما إستثنائياً. حتى أن الخصوم كانوا يسألون دائماً: كيف تمكن بشير من جعل المنطقة الشرقية قوية بهذا القدر”. يضيف: “أتذكر أن ابراهيم قليلات قال أمام الفلسطينيين: ليت لدينا حدا متل بشير. رشيد كرامي بدوره لم يقل ولا مرة أي كلمة خطأ عن بشير، خلال الإجتماعات التنسيقية التي تجمعنا مع الحركة الوطنية والفلسطينيين، كان يعلن دائما عن فهمه لحالة بشير، ولم يهاجمه يوماً. أما من يصرّون اليوم على استذكار حالة بشير مع إسرائيل، ووصفها بالعمالة، فهؤلاء ينطلقون من منطق حرب وصراع لا منطق سلام والتقاء”.

 

بشير إلتقى مناحيم بيغن؟ نعم. وهذا ليس سرّاً. لكن، هل تعرفون لماذا؟ لأن رقبة المسيحيين كانت تحت المقصلة “يا قاتل يا مقتول”. لم يكن هناك لا مال ولا ذخيرة. والمناطق المسيحية تحت القصف. ويومها دفعت الكتائب ثمن السلاح ولم يكن مجاناً أبداً. ويقول بقرادوني “بشير كان واضحاً وقال لهؤلاء في اجتماع نهاريا نريد أن تنسحبوا انسحاباً كاملا ونطالب بحقّ العودة ولن نقبل بالتوطين. وهذا أحد أسباب خلافه مع بيغن. وأكثر من كل ذلك، كانت إسرائيل مدركة أن المسيحيين المدافعين عن صيغة التعايش سيكونون آخر من يُطبّع معها. فالعنصرية الإسرائيلية هي نقيض صيغة التعايش اللبنانية”.

 

لسنا ندافع عن بشير. فالبشير حلم اللبنانيين، مسيحيين وغير مسيحيين، وهو الرمز والضمير والبطل حتى الإستشهاد. بشير الجميل اليوم في الذكرى الأربعين لاغتياله يستمر الرئيس الأقوى والحاضر الأكبر والحلم السرمدي. وهو لم يُقتل في معركة، ممسكاً ببندقية، بل اغتيل رئيساً لجمهورية لبنان مطلقاً حلم: لبنان الـ 10452 كيلومتراً.