Site icon IMLebanon

أربعون..بشير الجميّل

 

يمرّ الوقت كلمح البصر، أربعون عاماً على اغتيال الرّئيس بشير الجميّل، وهذه السّنون الأربعون أثبتت أنّ لبنان بحاجة شديدة إلى رئيس رجل يُطابق في مواصفاته الرئيس الرّاحل الحامل لمشروع الدولة وبنائها، كان قدر لبنان ليختلف كثيراً جدّاً ولكن تقاطعت مصالح الاحتلالات كلّها السوريّة والإسرائيليّة والإيرانيّة على اغتيال هذا الرّجل لأنّه ممنوع على لبنان أن يكون دولة وممنوع عليه أيضاً أن يحظى برئيس شخصيّته صلبة وذو مبادىء صادقة لا يحيد عنها، بصرف النّظر عن كلّ الانقسام الذي لا يزال كثيرون يسعوْن لتكريسه حول شخصيّة بشير من كتاب التّاريخ الموحّد إلى الاتفاق على ما إذا كان بشير الجميل الرّئيس الشّهيد أو الرّئيس المنتخب!!

 

ذات يوم من العام 1976 «قررنا البقاء في لبنان والعيش فيه مرفوعي الرأس» أمّا الحديث الإرتهاني للاحتلال الإيراني منذ العام 1979 الذي بدأ مع عودة الخميني ـ على أكفّ الرّاحة المخابراتيّة الأميركيّة والفرنسيّة ـ والحديث عن «الكرامة والحريّة والشهادة»ـ الذي «صرعونا» به جماعة «مقاومة إيران» سمعه اللبنانيّون  لأوّل مرّة من الشيخ بشير الجميّل «الأبُ الشرعي» للمقاومة لأنّ أمّا ما تبقّى من مقاومات مدّعاة على الأرض اللبنانيّة فقد كانت احتلالاً ليس إلّا!

 

إنصافاً للذاكرة، كثيرون من مسلمي «المنطقة الغربيّة» كان بشير الجميّل بالنسبة لهم هو «الحلم اللبناني» و»رَجُل الدولة» الذي سيخلّصنا من «المزرعة» ويبني لنا الجمهوريّة، ولكن قتلة الإحتلال من «فريق المزرعة» استطاعوا قتل الرئيس الذي استطاع أن يكون في عشرين يوماً فقط «أمل لبنان» بالتغيير… وكمواطنة لبنانيّة عايشت تجربة بشير الجميّل من المنطقة الغربيّة، وعندما بدأت الحرب اللبنانية كان لي من العمر عشر سنوات واليوم أنا في على عتبة الستّين من عمري، أريد أن أدّعي وبإصرار أنّني ومنذ ما يقارب الخمسين عاماً راقبت كلّ فرقاء الحرب اللبنانية ومتاجرتهم بالشعب اللبناني ونقلهم البندقيّة من كتفِ جمال عبد الناصر إلى كتف أبو عمّار، إلى كتف الأسديْن الأب والإبن، إلى الكتفِ الإيراني الآن، ولاحقاً إلى أي كتفٍ ستكون له الغلبة، وحدها «مقاومة» القوات اللبنانية لم تغيّر خطابها ولا بوصلتها ولا مسلّماتها ورفضت كلّ من ساوم على لبنان وسيادته ولفظتْ كلّ من نقّلَ بندقيته من كتفٍ إلى كتف بحسب مصالحه الشخصيّة، وأنّها هي «المقاومة اللبنانية الشرعيّة» وما تبقّى هو ادّعاءات مقاومة مهما غيّرت أسماءها لأنّها ليست أكثر من «أجندات» و»عمالة» لمحاور خارجيّة!!

 

في العام 2019 كتبنا في هذا الهامش وللمناسبة نفسها: «عيون بشير تشوف.. أيّ مزرعة أصبح لبنان!! في هذه الأيام العصيبة التي تحاصر لبنان وتريد بالإكراه تغيير هويته لتصبح إيرانيّة، الهويّة التي حارب بشير الجميّل للحفاظ عليها نحن أحوج ما نكون إلى خطاب القسم الذي لم يقدّر للرئيس بشير الجميّل أن يقسمه وهو وثيقة تاريخيّة تُعلّم اللبنانيّين معنى «المواطنة» والولاء للبنان، خطاب القسم الذي لم يُقدّر للبنانيّين أن يسمعوه من رئيسهم الشابّ يشكّل دليلاً صارخاً وموجعاً على أن مصيبة لبنان كانت دائماً في ارتهان قسم من شعبه للآخرين، وفي هذا القسم تجلّى تصوّر بشير الجميّل للبنان ودولته ورئيسه وشعبه ومؤسساته الدستورية إذ يقول: «لا أقسم اليمين الدستوريّة أمامكم لتكونوا شهوداً فحسب، بل شركاء انتخبتموني، ساعدوني وإذا قضى النظام الديموقراطي البرلماني بأن يُؤدّى القسم عبر مجلس النواب، من دون سواه، فلكي يُلزمه قبل سواه مساعدة رئيس الدولة في اشتراع وإقرار كل ما يؤول إلى تنفيذ القسم القاضي باحترام دستور الأمّة اللبنانية وقوانينها، وحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه. لكن لا الدستور مصون، ولا القوانين مطبقة، لا الاستقلال كامل، ولا الأرض محررة، لا الوطن سيّد، ولا الأمّة موحدة، إنّ قسمي على روح غائب»، شيخ بشير.. لبنان يفتقدك كثيراً بعد تجريبه كلّ الرؤساء الذين انتخبوا من بعدك فزادوا البلاد قهراً وتعتيراً وخراباً!