«قررنا البقاء في لبنان والعيش فيه مرفوعي الرأس… الشيخ بشير الجميّل 1976»…
ما أشبه واقع مسيحيي ومسلمي العالم العربي بواقع لبنان بعد قرار الأسد الأب باحتلال لبنان في العام 1976 بشير الجميّل في ذاكرتي، وللمناسبة الحديث عن «الكرامة والحريّة والشهادة» -الذي «صرعونا» جماعة «مقاومة إيران» وحلف «الممانعة وحماية داعش» ـ سمعه اللبنانيّون لأوّل مرّة من الشيخ بشير الجميّل «الأبُ الشرعي» للمقاومة، لأنّ المقاومات الأخرى «الناشئة» على الأرض اللبنانيّة كانت احتلالاً وعلى أعلى المستويات، كان لبنان في الخمسينات والستينات منكوباً بلوْثة «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر»، وهذا «أخطر» شعار «إحتلالي» للعالم العربي رفعه «إعلام أحمد سعيد» «دعايةً» لـ»ديكتاتور» الثورات الأوّل الرئيس جمال عبدالناصر…
في ذلك الوقت كانت شعارات «الوحدة» مزيّفة، وكان عبدالناصر أعتى أعداء المملكة العربيّة السعوديّة، وكان واحداً من أسوأ قراراته الأولى «منع إرسال الكِسْوة الشريفة» للكعبة المشرّفة ـ لم أستطع يوماً أن أفهم فِعْلَة عبدالناصر في معاقبة بيت الله الحرام، وكأن البيت العتيق سيبقى عارياً إنْ منع عنه عبدالناصر كسوته، ولكنني فهمتُ لاحقاً لماذا كان عبدالناصر رجل الهزائم العربيّة بامتياز!!
كلّ الكلام المزيّف الذي رفعه آنذاك جماعة «الحركة الوطنيّة» بدءاً من «العروبة» و»القضية الفلسطينيّة» و»تطبيق العلمانيّة» وتغيير الصيغة اللبنانيّة 6 و6 مكرّر، أذكرُ مناظرةً تلفزيونيّة جمعت بين الرئيس الراحل صائب بك سلام والشيخ بيار الجميل الجدّ، خاطب فيها الأول الثاني بعد حديثه عن الحفاظ على «الصيغة اللبنانية»ـ والمصطلح المستخدم آنذاك «صيغة الـ 1943 ـ فقال له: «إبنك [بشير] قال: «دفَنّا الصيغة وحطيّنا حرّاس عقبرها»، كان بشير متهماً بكل التَبِعاتِ، مع أن غضب الشهيد كمال جنبلاط على «الصيغة» وقتها كان أكبر بكثير من غضب بشير الجميّل، وكان يسعى تحت شعار العلمنة إلى الوصول إلى الرئاسة الثالثة، وأفشلَ اغتياله ـ لأسباب لا علاقة لها بأهدافه بل بحجم الرّجل الكبير المحترم من جميع الطوائف الرّافض الأول للاحتلال السوري ـ والعجب أنّهم اتّهموا بشير بأهدافهم…
من يعود اليوم إلى حرب السنتيْن والكتاب الذي أصدرته جريدة السفير ـ التي أُسّست خصيصاً لتكون آلة دعاية أبواق عروبة وأموال معمّر القذّافي المموّل الأكبر للمنظمات الفلسطينية والميليشيات الناصرية آنذاك ـ سيُدرك أنّ ما فعلَهُ بشير الجميّل كان تأسيساً للمقاومة الحقيقيّة في لبنان، على عكس المقاومات المزوّرة منذ اتفاق القاهرة العام 1970 الذي كان آخر أسوأ قرارات عبدالناصر الذي كافأ «أبو عمّار» بعد طرده من جنّة الأردن بفتح الأرض اللبنانية له ليحتلّها، ويمرّ «طريق فلسطين من جونية»، تماماً مثلما سلّمت حرب الخليج الثانية العام 1990 لبنان واتفاق الطائف للاحتلال السوري، أو الـ»مقاومات» التي نهبَتْ أموال الشعب الفلسطيني وعاقبت بسحب أرصدتها لبنان العام 1983 لتزعزع اقتصاده، ثمّ عاقبت بسحب أرصدتها الأردن لزعزعة اقتصاده العام 1988 ليردّ الملك الحسين بن عبدالله بفكّ الارتباط مع الضفّة والقدس، يومها كانت «الثورة» محتاجة لشعبٍ تحكمه، ولكنّها أورثت الأموال التي جمعتها باسم هذا الشعب المنكوب لـ»زهوة عرفات»، وهذا الكلام معلومٌ ومعلنٌ وقيل فيه الكثير، أو «مقاومات» حلف أحزاب الشيوعيين وسواهم في «الحركة الوطنيّة» وقائدها الوريث آنذاك وليد جنبلاط الذي ذهب مع حلفه إلى قاتل أبيه ووضع يده في يده!!
كثيرون لن يعجبهم هذا الكلام، وسيحيلوننا على الشعارات الجوفاء والتُّهم البلهاء التي ما زالت حلف الممانعة يرفعها، «التعامل مع العدو الإسرائيلي»، فيما هم أنفسهم و»أباً عن جد» حماة الحدود الإسرائيليّة وجبهتهم لم تطلق منها رصاصة واحدة، أما أصحاب المقاومات الإيرانية التي بدأت بالدعاية للبس الشادور وانتهت بالأمس بخبر مقتل حسن نصرالله في العراق، ربما علينا أن نذكّرهم بـ»إيران غيت» ومباركة الخميني استيراد السلاح من إسرائيل لمحاربة الجيش العراقي… أمّا المموّل الأكبر للمنظمات الفلسطينية في حرب السنتين، المقتول معمّر القذافي، والذي لطالما تبجّح ودعا المسيحيين اللبنانيين إلى إعلان «إسلامهم»، فالحمد لله، لقد أدرك مسيحيّو لبنان نهايته الوخيمة التي ذهبت به إلى مزبلة التاريخ وبقيت «المقاومة اللبنانيّة»، أمّا ما بقي من إعلامه في لبنان فقد التحقَ بالمعسكر الإيراني، وانتقل من «خندق العروبة» إلى «خندق الثورة الإيرانيّة»!!
أمرٌ أخير لا بُدّ لي من إيراده بعد؛ كثيرون من مسلمي «المنطقة الغربيّة» كان بشير الجميّل بالنسبة لهم هو «الحلم اللبناني» و»رجل الدولة» الذي كان ليستطيع أن يبني لنا «الجمهوريّة» ويخلّصنا من «المزرعة»، ولكن تغلّب «فريق المزرعة» بعد قتل بشير الجميّل الرئيس، الذي أصبح في عشرين يوماً «أمل لبنان»…
كمواطنة لبنانيّة عاشت تجربة بشير الجميّل من المنطقة الغربيّة، أقول: «عندما بدأت الحرب اللبنانية كان لي من العمر عشر سنوات، اليوم أنا في الخمسين من عمري، راقبت كلّ فرقاء الحرب اللبنانية ومتاجرتهم بالشعب اللبناني ونقلهم البندقيّة من كتفِ جمال عبدالناصر إلى كتف أبو عمّار، إلى كتف الأسديْن الأب والإبن، إلى الكتفِ الإيراني الآن، ولاحقاً إلى أي كتفٍ ستكون له الغلبة، وحدها «مقاومة» القوات اللبنانية لم تغيّر خطابها ولا بوصلتها ولا مسلّماتها، من بشير إلى سمير، لقد رفضت كلّ من ساوم على قضية لبنان ولفظتْ كلّ من نقّلَ بندقيته من كتفٍ إلى كتف بحسب مصالحه الشخصيّة… هذه هي «المقاومة اللبنانية الشرعيّة» وما تبقّى هو ادّعاءات «المقاومة» مهما تغيّرت أسماؤها وهي ليست أكثر من «أجندات» و»عمالة» لمحاور خارجيّة!!