23 آب 1982 – 23 آب 2015، ثلاث وثلاثون سنة لم تكفِ حتى الآن لإعادة وصل ما تهدّم بعد الغياب. غابت السلطة، واندحرت الادارة، وإنحلّت الارادة، وفقد اللبنانيون الأمل بدولة القانون، وتقطّعت من جديد أوصال الوطن، وتشلّعت الطوائف وهي على شفير التصادم، وانعدم الأمن في كلّ المناطق حتى أصبحت الجمهورية بشعبها وأرضها سائبة، أبوابها مشلّعة ومشرّعة، وأبناؤها تائهون في ضياع مخيف.
عند انتخابك، وفيما الحرب العَبَثية مستعرة والمؤامرة الخبيثة في أوجها، هدأ البركان، وعاد اللبنانيون كلّ اللبنانيين يتنفسون الصعداء مطمئنّين الى غدٍ أفضل لثـقتهم برؤياك وصدقك وشفافيتك، وغادر البلاد مَن كان يفّكر أنّ طريق فلسطين تمّر بلبنان وتحديداً بمدينة جونية.
واحد وعشرون يوماً عاشها اللبنانيون وكأنها حلم. عاد الأمل بقيام الدولة العادلة والآمنة والمستقرّة، حيث كرامة الانسان تفوق كلّ اعتبار، وعاد اللبنانيون الذين هاجروا قسراً، خوفاً على مستقبل أولادهم الى ربوع الوطن، وعاد اللبنانيون المقيمون الى أصالتهم في احترام القانون.
فانتظمت الادارة، وأُقفلت جوارير السمسرة والصفقات، واندحر الفاسدون والمُفسدون، وساد الأمن الإجتماعي والاستقرار الإقتصادي، وأرتفع سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية، والأهم، أنّ البسمة عادت الى وجوه اللبنانيين كما عادت ثقة العالم الخارجي الى وضع لبنان.
فزارته وفود رسمية من كلّ الدول والاتجاهات، وارتاحت الدول العربية الى مسار سياستك الحكيمة والهادئة التي أبلغتَ بها وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا بك في مدينة الطائف.
فتحّول لبنان من بؤرة للمؤامرات والحروب الى أرضٍ آمنة يحلم فيها كلّ شخص «بمرقد عنزة في جبل لبنان». هذا كله جرى، وأنت لم تتسلّم السلطة الفعلية بعد.
أطلقتَ مواقف، حدّدتَ فيها مسيرة الحكم الجديد بجدّية ورصانة وأفهمتَ العابثين بأمن المواطن وأمن الوطن أنّ الجيش وحده هو حامي الحدود وحامي السيادة الوطنية.
وأطلقتَ صرخةً مدوية لمحاربة الفساد في الادارة وحذّرتَ المتطاولين على كرامة المواطن أنّ القانون فوق الجميع، وعلى المخالف أو أن يرتدع أم عليه أن يغادر موقعه فوراً لأنْ «لا شمسية فوق رأس أحد»، وسيكون الرجل النظيف والمناسب في الموقع المناسب.
من بيروت الى الشمال والجنوب والبقاع والجبل، هدأت العاصفة وبدأ لبنان يتّجه نحو الاستقرار.
لم تُنتخب رئيساً لجمهورية المسيحيين من قبل المسيحيين فقط، بل شارك في انتخابك وتأييدك مجمل الطوائف رغم امتعاض البعض الذي كان يجهل حقيقة مواقفك الوطنية.
فالجبهة اللبنانية أطلقت ترشيحك، وعمل رئيس المجلس النيابي كامل الأسعد الى تسويق هذا الترشيح وكان تأييد كتلته عارماً. قاطع بعض زعماء السنّة، ولكنّ المجلس يومَ انتخابك لم يخلُ من حضور ومشاركة شخصيات سنّية كسليمان العلي الزعيم العكاري وعثمان الدنا البيروتي وناظم القادري الزعيم البقاعي وغيرهم، رغم مقاطعة الرئيس صائب سلام وكتلته النيابية.
فأضفوا على الانتخاب صفة الانتخابات الوطنية. ولم تمضِ أيام حتى اجتمعتَ بالرئيس صائب سلام، فصارحته بهواجسك وصارحك بمواقفه وخرج من الاجتماع مبارِكاً للبنان العهد الجديد.
جمعتَ لبنان تحت لواء قيام الدولة القوية والعادلة، من أجل مواجهة قوى الشر والاحتلال أيّاً كانت. ووافقك اللبنانيون وأيّدوك في مسعاك الى أقصى الحدود.
أما الآن، فإننا «نبكي كالنساء وطناً لم نعرف كيف نحافظ عليه كالرجال».
عذراً بشير، لم نكن على قدر المسؤولية التي إئتُمنّا عليها. عذراً لبنان وطني لأنّ بعضهم باعك بثلاثين من الفضّة.