مع بداية الثورة الإيرانية عام ٬1979 وتخوفات الخميني من الثورات المضادة٬ وعدم الثقة بالجيش النظامي في ذلك الوقت٬ أمر بتأسيس الحرس الثوري٬ فجاءت مهامه متمثلة في حفظ الثورة ومنجزاتها. هذه العبارة الفضفاضة أعطت مساحة أكبر للحرس الثوري للتحرك في مختلف المجالات٬ وهو ما تجلى واضًحا مع اعتماد المرشد الحالي على الحرس الثوري٬ لتعزيز موقعه لاحًقا أمام رفسنجاني.. قوات التعبئة٬ أو ما يطلق عليها في الداخل الإيراني «البسيج» تأتي بوصفها أداة مهمة للحرس الثوري٬ للولوج إلى عدد من المجالات التي يتحّسس البعض من وجود الصبغة العسكرية للحرس الثوري فيها. في هذا السياق٬ نسير مع القارئ لنتناول ما جاء على لسان قائد فيلق كربلاء العميد ثان محمد حسين بابايي٬ ورؤيته لمهام قوات التعبئة التي تأتي مكملة٬ بل ومشاركة٬ لبعض أدوار الحرس الثوري.
تتمثل مهام قوات التعبئة٬ كما جاءت في كلمة العميد ثان محمد حسين بابايي٬ في المنتدى الثاني لتعبئة مازندران٬ كالتالي: أولى مهامها مواجهة التهديدات الناعمة التي تشمل التهديدات في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية. أما المهمة الثانية فهي مواجهة تهديدات الفتن٬ ولعل مصطلح «الفتنة» قد تم تداوله بصورة كبيرة داخل دوائر النظام الإيران٬ي بعد المظاهرات التي صاحبت إعادة انتخاب الرئيس السابق أحمدي نجاد٬ فظهر ما يعرف بتيار الفتنة٬ وسار على إثر ذلك توظيف هذه العبارة في عدد من الجوانب التي يرى فيها النظام مهددا لكيانه.
يرى العميد بابايي أن الهدف الثالث لقوات التعبئة يتمثل في الترابط الداخلي٬ وترسيخ عقائد ومعنويات وأخلاق المجتمع في طريق «ثقافة أهل البيت».
أما المهمة الرابعة فهي تكوين الجيش الذي يضم عشرات الملايين٬ والذي يعمل طبًقا لأوامر المرشد.
بالنظر إلى المساحة التي تمتد أذرع قوات التعبئة فيها٬ بدًءا من المؤسسات الحكومية٬ مروًرا بالجامعات والمؤسسات التعليمية٬ وليس انتهاًء بشقها العسكري٬ فإنه يتضح مدى تأثير هذه القوى في الداخل الإيراني.
تأتي قوات التعبئة بوصفها أداة لقوى الضغط في إيران٬ فبالإضافة إلى قوى أنصار حزب الله التي تأخذ شكل التنظيم السياسي٬ ولكن الواقع العمليُيبِرُزها كقوة تمارس عملها في الميدان٬ نرى أن قوات التعبئة تمارس الضغوط العملية من قبيل المظاهرات أو الممارسات العنيفة ضد الخصوم٬ كما تلعب قوات التعبئة كذلك دوًرا في الساحة الجامعية٬ فقد ظلت على الدوام أداة للنظام الإيراني في الجامعة وذراعه٬ الأمر الذي أسفر عن كثير من الصدامات بين التعبويين والطلاب الإصلاحيين.
بعد انضواء قوات التعبئة تحت مظلة الحرس الثوري٬ لُوحظ ظهور مزيد من الأدوار ولا شك على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي والحرب السيبيرية٬ ومحاربة ما تعارف عليه بأدوات القوة الناعمة. لا يتوقف دور «الباسيج» في الداخل الإيراني فحسب٬ بل تم نقل مثل هذه التجربة٬ كما قال جعفري٬ لدول أخرى٬ ومنها سوريا والعراق.
ومع إعلان المرشد الإيراني شعار السنة الإيرانية الجديدة «الاقتصاد المقاوم٬ المبادأة والعمل»٬ فإنه من المرجح أن يستمر «الباسيج» في نشاطه الاقتصادي الذي يتركز على الصناعات المحلية واليدوية٬ والتشييد في المناطق النائية التي تعطي مزيدا من التعاطف مع النظام الإيراني الحالي٬ حيث أعلن العميد ثان نعمان غلامي٬ قائد تعبئة البناء عن عدد من مشروعات اقتصاد المقاومة٬ تزامًنا مع بدء العام الإيراني الجديد٬ تتركز في زيادة الصناعات التحويلية (الصغيرة والكبيرة) من أجل مساعدة الاقتصاد والزراعة بالقرى٬ وكذلك تقديم التدريبات والاستشارات المختلفة٬ وإقامة المعارض الدائمة والمؤقتة التي تركز على اقتصاد المقاومة في جميع المحافظات٬ ودفع التسهيلات منخفضة القيمة إلى مشروعات اقتصاد المقاومة.
وقد أشار كذلك إلى أنه في عام ٬2015 كان الهدف إقامة 6 آلاف مشروع من الصناعات التحويلية الكبيرة٬ التي تحقق منها أكثر من 5 آلاف. وخلال العام الماضي٬ وبالتعاون مع شركة «نكار نصر» تمت إقامة 45 ألفا من الصناعات التحويلية الصغيرة التي أدت إلى توفير 70 ألف وظيفة في الدولة٬ وأن الطموحات في سنة ٬2016 الوصول بهذا الرقم إلى 100 ألف.
أهمية قوات التعبئة٬ وملؤها لفجوات عوًضا عن الحرس الثوري٬ جوانب تدفع بالنظام الإيراني إلى تعزيز مكانتها٬ نظًرا لقدرتها على الانتشار٬ والوصول إلى مناطق يصعب على التيارات الأخرى الوصول لها٬ وبالتالي ضمان استمرار شعبية وتأييد النظام الحاكم.
سؤال سنتركه للتأمل مع القارئ: إذا كانت قوات التعبئة قدُرسم لها طريقها في الداخل الإيراني لممارسة الضغوط ضد الخصوم٬ وتثبيت ركائز النظام الإيراني في الداخل٬ وفي مختلف المناحي٬ فما هو هدف هذا النظام من نشر هذه التجربة٬ ومحاولة إحيائها٬ في عدد من الدول؟