تبدو إطلالات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كأنها تعوض له غيابه المباشر عن مسرح الحكومة. بات يحرص دورياً على تقديم جردة حساب للملفات المطروحة والاولويات من وجهة نظره كرئيس تيار سياسي ممثل بأكبر كتلة نيابية، بعيداً من حصرية كونه صهر رئيس الجمهورية أو صهر العهد كما باتت مألوفة تسميته، بدليل أنه استبق حوار بعبدا في 25 الجاري بإكمال مواجهته مع الرئيس سعد الحريري ورئيس “القوات” سمير جعجع ورئيس “المردة” سليمان فرنجية، ولو أنه أثنى على منطق الحوار وضرورته.
كلما تحدث باسيل أو قدم مبادرة أسقطها الخصوم وبحثوا في خفايا ما قال عن دليل لموقفهم السلبي منه، فيما يسعى الحلفاء لالتقاط مؤشر لتدعيم تحالفه معهم. الرجل الاكثر إثارة للجدل الذي زاد خصومه عدد الحلفاء، يسعى كي يظهر بمظهر الصلب حيث هو ملم بأدق التفاصيل من حوله، موزعاً اهتماماته ما بين ترتيب أمور تياره الداخلية ومتابعة أكثر من ملف سياسي دفعة واحدة. لا يوحي حديثه عن قُرب بأنّ الرجل وفق توصيف خصومه انتهى أو أنّ مدة صلاحيته تنتهي مع نهاية العهد. البناء على ذلك يعكس عناداً قد لا يفي بغرض المراهنين عليه.
على محاور ثلاثة توزع حديث باسيل: الوضع الاقتصادي، الاغتيال الجماعي لـ”التيار”، والاستراتيجيات. في الوضع الاقتصادي أعاد الغمز من قناة رئيس الحكومة السابق الحريري منتقداً تهربه من المسؤولية، ما وضع البلاد امام مضيعة للوقت الى حين وجود من “ارتضى تحمّل مسؤولية وتغيير النهج”.
يتهم المنظومة السياسية التي حكمت منذ التسعين “بالتصدي للتغيير”، لذا نبه الحكومة إلى أن تكون جاهزة لتمنع سقوط التغيير وذلك من خلال “اعمالها ما يمنع سحب الثقة عنها طالما هي تنجز والبديل غير متوافر”، وبتأمين الإستقرار الامني من خلال “ضرب كل من يحاول تخريب السلم الأهلي ويسبّب الفتنة”، منتقداً التحريض على الفتنة السنيّة الشيعيّة الذي ورد على لسان “الطفيليين”.
أما الفتنة المسيحية الاسلامية فـ”ممنوعة”، جازماً أن “خطوط التماس في الشيّاح لن تعود” ليس بفعل “مظاهر الحماية الذاتيّة المزيفة”، وإنّما بفضل “التفاهمات العميقة التي تشهد عليها كنيسة مار مخايل”، ومتهماً “القوات” ضمناً بـ”التحريض للتعويض عن ضعف ولن نردّ عليه لأنّنا حريصون أكثر منه”. من دون ان يفوته الثناء على العيش المشترك في الجبل والذي “لن تقوى عليه حادثة قبرشمون”، مشدداً على “أن صدور القرار الظني وظهور الحقيقة المعروفة يدفعنا لمزيد من التسامح”. وعلى المستوى النقدي حث على اتخاذ “إجراءات فعليّة مسؤول عن اتخاذها مصرف لبنان”.
وأعاد الحديث مجدداً عن الاغتيال السياسي معيداً بالذاكرة الى يوم “دخلنا الى هذا النظام سنة 2005 لنغيّر من الداخل ديموقراطياً”، لذلك “نحن بحاجة دائماً الى أكثر من فريق ليكون معنا لنحصل على أكثرية”. من دون ان يفوته التذكير بأن “أقرب اصدقائنا لم يكونوا معنا في الكثير من الملفات او القرارات، وهذا ما يسبّب القلق او البلبلة في صفوف التيّار”، منبهاً هذا الحليف من دون ان يسميه الى ان هذا “الخطر الوجودي يطاول الدولة وبناءها، والمقاومة وحماية لبنان، فماذا يبقى من أولويّة على ذلك؟”. وفيما فسر البعض حديثه هذا على انه غمز من قناة العلاقة السيئة مع “حزب الله”، أكدت مصادر معنية ان باسيل ومن خلال ما قاله ثبت علاقته مع “حزب الله” التي “دخلت مرحلة جديدة وايجابية من التنسيق”.
باسيل أظهر وكأن في ذمته حساباً قديماً مؤجلاً مع الحراك أراد تصفيته مع مفعول رجعي بقوله: “إستنجدنا بالناس لمساعدتنا على السياسيين الذين عرقلوا مشاريع البلد على مدى سنين، ورجونا أناس المجتمع المدني ان ينتفضوا معنا ضد من أوقفوا المشاريع، ولكن حين انتفضوا، انتفضوا علينا، وصاروا ينمّروا علينا بكلمة “ما خلّونا”، ويقولوا لنا سمّوا، ونحنا أساساً اختلفنا مع الكل من كترة ما سمّينا”.
وفي حين عدّد الوسائل التي يحاول خصومه من خلالها اغتياله سياسياً، قال بأسلوب لم يخلُ من الانفعال: “تعالوا بعد ذلك اقتلوني سياسياً واغتالوني معنوياً، وما بدّي أعمل رئيس جمهورية”، بما يعني ضمناً انه لن يكون أسير هذا العنوان بعد اليوم وان “محاربة الفساد” هي معركته الحقيقية. باسيل الذي نوّه بخيار صندوق النقد الدولي، شكل حديثه عن الشرق والغرب المحور الاهم على مستوى الاستراتيجيا، متبنياً نظرية الغموض البنّاء لرؤيته أن تدهور الاوضاع في لبنان قد يضطره “للتوجه الى الشرق من دون ان يعني ذلك إدارة ظهرنا للغرب”، متوجهاً الى الاميركيين بالقول: “قلتم لنا ابتعدوا عن أزمة سوريا، وأدخلتم عنصر النازحين، والآن تأتون لنا بعنصر جديد اسمه “قيصر”، انتظرناه “قيصراً” من الشرق ليسكر علينا الغرب، فإذا به يأتينا من الغرب ليسكّر علينا الشرق ويقطع عنا الهواء! فماذا لو أتانا بنتائج عكسيّة؟”.
وأضاف: “لا نريد أبداً المواجهة مع أميركا، لا بل نريد أن نحافظ على الصداقة معها، لدينا حدود مشتركة مع سوريا، وهي رئتنا مع العالم العربي، فهل يريدون قطعنا عنه؟ قطعنا عن عروبتنا؟”، طالباً الى “أميركا من باب صداقتها معه ان تسمح له باستثناءات لهذا القانون”.