بعد مساعٍ شاقة ورفض وشروط متبادلة
أخيراً وبعد أشهر من المفاوضات والمساعي الحثيثة نجح أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في جمع حليفيه «الخصمين» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، المرشحين لرئاسة الجمهورية واللذين سادت القطيعة بينهما لسنوات خلت. حيثما حضر فرنجية كان باسيل حديثه الرئيسي الذي لا يتردد في انتقاده في علاقاته السياسية، أما باسيل فيتقصّد تجاوز حيثية فرنجية أو التسليم بحيثيته كمرشح حظوظه وافرة في رئاسة الجمهورية.
سبقت اللقاء اتصالات استمرت شهوراً مع باسيل وفرنجية كانت نتيجتها الرفض بداية ثم شروطاً وشروطاً مضادة، ثم بدأ الطرفان النزول عن السلم وتفهّم أهمية اللقاء وحاجته الانتخابية بعد أن كان نصرالله بدأ ممارسة الضغوط على كليهما. فقبل شهرين استقبل السيد نصرالله رئيس «التيار الوطني» الذي لم يبد حماسة للفكرة على اعتبار أن انعقاد اللقاء لن يأتي بجديد. لكنه مع بداية التحضير للانتخابات صار أكثر ميلاً واستعداداً للحوار. بالمقابل وضع فرنجية شروطاً تتعلق برئاسة الجمهورية مطالباً بموقف مسبق من باسيل بترشحه للرئاسة، بعدما كان يقول إن موقفه النهائي يحدّده بعد الانتخابات النيابية.
رفضُ الطرفين لم يثنِ السيد نصرالله عن الاستمرار في المحاولة، في ظل تسارع التطورات الإقليمية والمحلية، فيما الاستحقاقات المهمة تطرق الأبواب وتفرض الحاجة إلى الالتقاء. أقدم نصرالله على محاولته الأخيرة باستضافتهما إلى مأدبة إفطار في منزله، مضيفاً على الجلسة بعداً اجتماعياً لا يمكن تجاوز اعتباراته. تقصّد الجميع أن يكون الموعد بعد إقفال القوائم الانتخابية كي لا يفسّر على أنه لقاء انتخابي.
للقاء بذاته مؤشرات سياسية ترتبط بالتحضير لمرحلة مقبلة آتية فيها صعوبات وحسم خيارات ومواجهات بالسياسة، استدعت ترتيب أوراق لبنانية داخلية منها ما يتّصل بمرحلة ما بعد الانهيار المالي وأي نظام سياسي أو مالي سيكون، وبدا الاستحقاق الرئاسي مجرّد تفصيل مقابل الموضوعات التي طرحت وتتعلق بأمور إقليمية منها مستقبل العلاقة مع سوريا والاتفاق النووي الايراني، الذي وإن تأخر فيجب التحضّر لمواكبته سلباً أو ايجاباً فضلاً عن الوضع في اليمن في ضوء المستجدّات. وهذه كلّها مواضيع تتطلب إعادة ترتيب تفاهمات أدّى بعض الملفات الداخلية إلى زعزعتها في وقت من الأوقات، ومحلياً حضر ملف الحدود والنفط وإسرائيل، كلّها استحقاقات تستوجب ترتيب البيت الداخلي لحلفاء «حزب الله».
بتأكيد المعنيين أن الطبق الرئيسي على مأدبة الإفطار هو المصالحة، وأهمية التلاقي وترتيب البيت الداخلي بين الحلفاء في الظروف الراهنة، يجزم «حزب الله» أنه لم يكن لقاء انتخابياً وإلا لكان يجب أن ينعقد قبل تشكيل اللوائح.
ساد الجفاء الجانبين بداية، وظهرا كمتخاصمين لا يتبادلان أطراف الحديث بالمباشر ثم بدأت البرودة تتلاشى تدريجياً بعد معاتبة متبادلة إلى أن سلكت العلاقة بينهما شكلها الطبيعي.
أهمية اللقاء في حسابات «حزب الله» أن «المصالحة تمّت». تجزم مصادره «أن موضوع الانتخابات الرئاسية لم يفتح بأي شكل من الأشكال، أولاً لأن ميشال عون لا يزال رئيساً للجمهورية، ولأن نتائج الانتخابات النيابية لم تصدر بعد، وإثارة الموضوع قبل ذلك غير ممكن، ثم لأن الطرفين مرشحان للرئاسة فلا يجوز طرحه لأنه حكماً سيتسبب بتوتر من جهة تجاه أخرى، ولأنه من المبكر بعد الحديث عن الانتخابات الرئاسية».
تضيف مصادر الحزب: «الانتخابات النيابية تمّت مقاربتها من شقين: ضرورة الفوز لوجود استحقاقات تترتب على هذه الانتخابات من رئاسة مجلس النواب إلى تشكيل حكومة جديدة وانتخابات رئاسية، ما يستوجب من هذا الفريق السياسي أن يذهب موحّداً إلى الاستحقاق الانتخابي، وفي ما يتعلق بدوائر الشمال يجب ايجاد طريقة تؤمّن نجاح الجهتين مقابل ضمان خسارة الخصم، لا أن نجعله يستفيد من المواجهة في ما بينهما».
في لحظة ما شعر فرنجية وباسيل بحاجتهما إلى الجلوس معاً كل لاعتباراته، فكيف إذا كان الداعي هو السيد نصرالله الذي ضغط بكل قوته باتجاه مصالحتهما، فكانت النتيجة الاتفاق على تخفيف الحملات السياسية والإعلامية بين التيارين قبيل الانتخابات وبعدها، والاتفاق على استكمال البحث بينهما لاحقاً من خلال تبادل زيارات يتفقان عليها».
من جانبه يثمّن «التيار الوطني» دعوة السيد واللقاء الذي تمّ وتقول مصادره: «بالحدّ الأدنى سوف يتمّ تثبيت هدنة أقله في فترة الانتخابات من دون الذهاب إلى تحالفات بل إدارة خلافات منتجة وحضارية. وفي مرحلة ما بعد الانتخابات هناك مرحلة مختلفة وقد تذهب العلاقة نحو اتجاهات معينة من المبكر الحديث عنها». وأما راهناً فمن المرتقب تبادل اللقاءات الثنائية بين ميرنا الشالوحي وبنشعي تحت عنوان انتهاء عداء الماضي وفتح الجانبين صفحة جديدة من العلاقة.
باعتراف كل الأطراف المعنية فإن «اللقاء ليس موجهاً ضد فئة معينة» وبعدما تمّت معالجة مشكلة الحلفاء المسيحيين، من المتوقع أن هناك لقاءات عديدة سيعقدها السيد نصرالله على مستوى حلفاء آخرين تطاول شخصيات وقيادات درزية وقوى إسلامية، يرفض «حزب الله» التطرق إلى تفاصيلها مسبقاً، وهذه ستحصل قبل الانتخابات وبعدها تحت عنوان التوافق.
بثقله يدخل «حزب الله» على خط رأب الصدع بين حلفائه. لا قلق يساوره لناحية الوحدة الشيعية المتينة، بينما استطاع لملمة خلافات حلفائه السنّة لخوض الانتخابات كفريق واحد تقريباً أقلّه في مناطق تواجدهم، فكانت المعضلة المتبقية هي الخلاف المسيحي المسيحي الذي نجح في لملمته. بعد التطور الذي طرأ لم يعد دقيقاً تكرار ما درج عليه خصومه منذ 17 تشرين من أن «حزب الله» لم يعد لديه حلفاء «ليتبيّن بالصور أن «حزب الله» أكثر من لديه حلفاء».