تقاطعت زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل الى لبنان مع تكليف الدكتور حسان دياب تشكيل الحكومة، الامر الذي وضعها تحت مجهر التدقيق السياسي لتبيان حقيقة النيّات التي تضمرها واشنطن حيال الرئيس المكلّف وحكومته المفترضة. وضمن هذا السياق، استحوذ الاجتماع بين وزير الخارجية جبران باسيل وهيل على الاهتمام، من حيث الشكل والمضمون. فما الذي دار فيه وما هي ظروف انعقاده؟
طلب هيل الاجتماع بباسيل السبت الماضي، متمنياً ان يكون اللقاء «راس براس» وغير موسّع، فلم يمانع وزير الخارجية، لكنه أبلغ اليه أنّه لن يكون موجوداً في مقرّ وزارة الخارجية السبت، مقترحاً عليه ان يستضيفه في منزله في البيّاضة، فوافق الموفد الاميركي وتمّ الاتفاق على تحديد الموعد عند الثانية عشرة والنصف ظهراً.
وصل هيل الى منزل باسيل متأخّراً عن الموعد نحو 20 دقيقة، حيث حضر اللقاء في دقائقه العشر الاولى أحد ديبلوماسيي السفارة الاميركية في لبنان والمستشار الاعلامي لوزير الخارجية انطوان قسطنطين. بعد ذلك، استكمل باسيل وهيل اجتماعهما على انفراد لمدة ساعتين و10 دقائق تقريباً، تخلّلتها مأدبة غداء اقامها باسيل على شرف ضيفه، وحملت لمسات زوجته السيدة شانتال عون.
ولعلّ الاشارة أو الدلالة الاولى التي يعكسها اللقاء، في توقيته ومكانه، هي انّه وعلى رغم من الانطباع السائد حول وجود غضب اميركي على باسيل جرّاء سياساته وخياراته المتعلقة بالملفات التي تهمّ مصالح واشنطن، غير انّ الادارة الاميركية لا تزال تتعامل معه على اساس أنّه «شرّ لا بدّ منه» ولاعب أساسي في المعادلة اللبنانية، من غير الممكن لموفديها تجاهله، بمعزل عن حقيقة العواطف السياسية حياله.
لم تستسغ واشنطن محاولات باسيل المتكرّرة كسر معادلات يعتبرها الاميركيون «اكبر منه»، سواء لجهة دفاعه عن المقاومة من قلب الولايات المتحدة والمحافل الدولية، أو لجهة تهديده بزيارة سوريا وكسر الحصار المضروب عليها لمعالجة قضية النازحين، قافزاً فوق التوازنات الدولية والاقليمية التي لا تسمح له في الاجتهاد على هذا الصعيد.
وعليه، يعتبر متابعون للعلاقة المتذبذبة بين باسيل وواشنطن، انّ موافقة هيل على ان يزور باسيل في منزله ويتناول الغداء الى مائدته، فيما كان حتى الامس القريب مرشحاً للانضمام الى لائحة العقوبات الاميركية، انما هو تصرّف لا يخلو من مغزى سياسي، على رغم من انّه لا يتجاوز، بالنسبة الى البعض، حدود المجاملة الديبلوماسية الشكلية التي «ينبغي عدم تحميلها اكثر مما تتحمّل».
وعُلم انّ النقاش بين باسيل وهيل تركّز على ثلاثة ملفات هي:
1 – الحكومة الجديدة: خلافاً للتوصيفات التي اطلقها بعض الاعلام الغربي على الرئيس المكلّف الدكتور حسان دياب من قبيل انّه مرشح «حزب الله» او ما شابه، بدا موقف هيل براغماتياً في التعاطي مع مسألة التكليف، مشدداً امام باسيل على انّ ما يهمّ واشنطن هو برنامج الحكومة الجديدة وعملها وسلوكها ومدى قدرتها على تحقيق الاصلاح، وأنّه لا يعنيها اسم رئيس الحكومة إلّا بمقدار التزامه بتنفيذ الاصلاحات المطلوبة، وبناء على هذا المعيار يتمّ الحكم ايجاباً او سلباً على الحكومة الجديدة، وبالتالي يتحدّد مصير الاموال التي يحتاج اليها لبنان.
وهذه المقاربة تُفسّر، في رأي العارفين، عدم التمسّك الاميركي والسعودي بشخص سعد الحريري، وكذلك تجنّب الربط الواضح بين بقائه في السلطة وبين منح المساعدات والدعم الى لبنان، علماً انّ غياب الرياض عن المؤتمر الدولي الذي عُقد في باريس أخيراً في حضور ممثل عن رئيس حكومة تصريف الاعمال، لم يكن سوى إشارة الى برودة الموقف السعودي حيال الحريري، والذي انعكس تخلياً عنه في الاستشارات.
2 – ترسيم الحدود: عبّر باسيل خلال الاجتماع مع هيل عن الموقف اللبناني المتوافق عليه بين القوى الاساسية بالنسبة الى مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وكيان الاحتلال الاسرائيلي. ويبدو، حسب انطباعات العارفين، انّ الادارة الاميركية تسعى الى تحقيق انجاز في مجال ترسيم الحدود قبل نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب، إذا امكنها ذلك، الامر الذي من شأنه في حال حصوله ان يعزّز فرصها في الاستثمار النفطي في المنطقة البحرية المتنازع عليها.
3 – النزوح السوري: شرح باسيل للموفد الاميركي ثوابت لبنان في ما خصّ قضية النازحين السوريين المقيمين على ارضه، مشدّداً على حقهم في العودة الى بلادهم وحق اللبنانيين في حماية وطنهم من خطر التغيير الديموغرافي والضغط الاقتصادي المتأتي من وجود النازحين.
ويؤكّد المطلعون، انّ ملف العميل عامر الفاخوري لم يُبحث بين باسيل وهيل، في اعتبار انّ الموفد الاميركي عرضه مع رئيس الجمهورية ميشال عون.