Site icon IMLebanon

باسيل والثورة… من يتآمر على العهد؟

 

مفتاح القصر وقفل الحكومة ولعبة السلطة

قد يكون رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل من أكثر المتضررين من ثورة 17 تشرين التي وضعته في رأس لائحة المتهمين والمتسببين بالإنهيار المالي والإقتصادي والسياسي وبلوغ قعر الأزمة والهاوية. ومع ذلك فهو يصرّ على أن يبقى سداً في وجه عملية التغيير المطلوب في مستوى الحكم والحكومة من أجل الخروج من هذه الأزمة رابطاً مصير العهد بمصيره ومحاولاً الحد من خسائره وتجنب الوصول إلى حالة العجز السياسي.

حتى من داخل دائرة قصر بعبدا والمحيطين بالرئيس ميشال عون من العائلة وطاقم المعاونين هناك من يحمّل باسيل مسؤولية الأزمة التي يتخبط بها العهد. الكلام الذي كان يبقى همساً حفاظاً على مقام الرئاسة والرئيس والبيت الداخلي خرج أكثر من مرة إلى العلن. وحده تقريباً الرئيس عون لا يزال يغطي باسيل و”يكلّفه” بلعب الأدوار التي يقوم بها معتقداً، عن وعي أو عن غير وعي، أنه يسعى لإنقاذه وأنه يدافع عنه وعن صورته، بينما الواقع يشير إلى عكس هذا الأمر.

 

باسيل والتأثير السلبي

 

قد تكون الصورة التي أراد باسيل أن يظهر بها منذ عودة العماد عون إلى لبنان من باريس في 7 ايار 2005 هي التي ارتدت عليه سلباً. منذ ذلك التاريخ أراد أن يوحي وكأنه هو ميشال عون. وقد ساهم عون نفسه في تأكيد هذه النظرية التي تحولت إلى ما يشبه القاعدة إلى الحد الذي لم يعد معه ممكناً التفريق بين رئيس التيار وصهره. كثيرون اعتبروا أن هذه العاطفة التي يبديها عون تجاه باسيل تعود إلى نظرته إليه وكأنه الإبن الذي لم يلده. ربما كان هذا الأمر صحيحاً ولكن لماذا لم يصح أيضاً على نظرته إلى صهره الثاني العميد شامل روكز الذي صار نائباً من خارج التيار بعد انتخابات 2018؟ ولماذا فضل عون أن يبقى أسير باسيل حتى بعد وقوع الخلاف بين الأخير وبين روكز وابنتي الأول كلودين وميراي الذين لم يخفوا ما لديهم من ملاحظات على أداء باسيل وتأثيره السلبي على العهد ومحاولة استغلاله؟

 

لا شك في أن باسيل تمتع بقدرة على التأثير على عون. أدرك ما يريده وما يدور في أفكاره وعمل على أن يكون هو الحريص على حمل هذه الأفكار ووضعها موضع التطبيق. ولذلك يعتبر البعض أنه يتمتع بحنكة ثعلبية مكنته من أن يجعل نفسه في المرتبة الأولى عند عون وقد ساعده في هذا الأمر كونه صهره وكان بدأ معه في العمل السياسي قبل أن يخرج روكز من المؤسسة العسكرية إلى السياسة وإن كان روكز حرص أيضاً على أن يبقى خارج دائرة التيار الحزبية بعدما صار باسيل رأس هذا التيار بمباركة وتسهيل وتزكية من عون.

 

ومن هذه الزاوية أيضاً يعتبر البعض أن باسيل كان مستعجلاً ليرث عون في رئاسة التيار مستفيداً من معرفته بوضعه الصحي وبعاطفته تجاهه لأنه لو قدر الله ولم تحصل عملية انتقال رئاسة التيار إليه في الوقت الذي عمل على اختياره لما كانت الطريق ستفتح أمامه لو كان هذا الأمر سيحصل من دون تدخل العماد عون.

 

تفاهم أكيد وتفاهمات ظرفية

 

قبل وصول العماد عون إلى قصر بعبدا وبعده عمل باسيل على السيطرة على مفاصل التيار والعهد قبل أن يعمل على مد تحالفاته الأخرى خارج التيار والعهد. اعتبر أن التفاهم الذي وقعه عون مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006 يشكل له الرافعة الأساسية في الصراع مع الآخرين الذين بقيت التفاهمات الحاصلة معهم ظرفية وخلف التفاهم مع “حزب الله”. من هذه الزاوية يمكن النظر إلى تفاهم معراب مع “القوات اللبنانية” وإلى التفاهم مع الرئيس سعد الحريري. صحيح أن باسيل هو الذي وقع على ورقة التفاهم مع القوات وعلى الإتفاق السياسي بعدما صار هو رئيساً للتيار ولكن التفاهم والإتفاق حصلا مبدئياً مع العماد ميشال عون ولذلك بعدما وصل عون إلى بعبدا انقلب باسيل على الإتفاق وذهب في اتجاه تكريس سيطرته على العهد واستغلاله وجعله جسراً لعبوره هو إلى قصر بعبدا.

 

التفاهم مع الرئيس سعد الحريري كان بدأ أولاً في خلال مرحلة الفراغ الرئاسي عندما جرت محاولة أولى للتوافق على ترشيح العماد عون لم يكن مقدراً لها أن تمر. بعدما وافق الحريري في العام 2016 على انتخاب عون رئيسا عاد التفاهم مع باسيل. إذا كان العماد عون قد عطل أكثر من مرة على عهد الرئيس ميشال سليمان تشكيل الحكومة من أجل جبران باسيل فإن باسيل ورث دور عون في فرض الحقائب والأسماء في حكومات ما بعد انتخاب عون وأكثر من ذلك تصرف وكأنه هو القائم بأعمال الرئاسة. هكذا ذهب إلى المواجهة مع الرئيس نبيه بري وانقلب على تفاهم معراب وحاول تطويع رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط. ومن هذه الخلفية خاض معارك انتخابات 2018 وإن وُجد تباين في بعض الدوائر مع “حزب الله” فإن هذا الأمر بقي تحت السيطرة لأن “الحزب” كان يرغب أيضاً في أن يكون لباسيل الأولوية في التمثيل المسيحي. ولذلك مر الخلاف الذي حصل مثلاً في جبيل وبعلبك والهرمل والجنوب. في هذه المعركة بقي باسيل مستفيداً من التفاهم مع الرئيس سعد الحريري.

 

أزمة استقالة الرئيس الحريري من السعودية في 4 تشرين الثاني 2017 أعطت هذا التفاهم زخماً إضافياً. اعتبر باسيل أن الحريري صار أسير تحالفه مع “حزب الله” نتيجة الدور الذي لعبوه في عملية “إنقاذه” و”تحريره”. ربما كان من الأفضل للرئيس سعد الحريري أن تكون استقالته فعلية وثابتة في ذلك التاريخ أو أنه كان من الأفضل له لو أنه لم يتنازل إلى هذا الحد عن دوره وموقعه. وهو في استقالته في 29 تشرين الأول الماضي كان كأنه اتخذ القرار ولو متأخراً عامين وكأنه حرر نفسه من تبعات ذلك التفاهم.

 

المعركة ضد الثورة

 

منذ انطلقت ثورة 17 تشرين كان باسيل في قلب المعركة ضد الثورة. ربط مصيره بمصير العهد واعتبر أن خروجه من أي حكومة جديدة هو خروج للعهد من الحكم. لقد ظهر خلال ثلاثة أعوام من عمر العهد أنه رمز كل ما يتهم به العهد والسلطة. من صفقات بواخر الكهرباء إلى العجز في الموازنة العامة الذي تراكم معظمه بسبب العجز في موازنة الكهرباء وصولاً إلى إمساكه بملفات التعيينات ومجاهرته بهذه المسؤولية وتجاوزاته الكثيرة في المناطق خصوصاً بعد ما حصل في قبرشمون والبساتين ومحاولته وضع الجيش تحت سلطته وتطويع القضاء وتسييسه. قبل استقالة الحريري حاول باسيل أن يتوصل معه إلى ترميم حكومته وتعيين أربعة وزراء بدل وزراء القوات اللبنانية الذين استقالوا. لم تنجح المحاولة. وبعد استقالة الحريري حاول أن يتوصل إلى تسوية جديدة معه بالتنسيق والتحالف الكامل مع “حزب الله” على أساس قبوله بتشكيل الحكومة التي يقترحانها عليه بالحقائب والأسماء مستفيدين من مسألة عدم تعيين رئيس الجمهورية موعداً للإستشارات النيابية. ولكن الحريري بقي رافضاً ومتمسكاً بأن الحل يكون بحكومة تكنوقراط حيادية ومستقلة. وحتى عندما انتقل باسيل و”الحزب” إلى بحث خيارات غير الحريري سقطت الإقتراحات واحداً تلو آخر. يريد باسيل أن يبقى في الحكومة وأن يسمي الوزراء وأن يقبل من يريد تسميته رئيساً للحكومة بمنصب الرئيس فقط وأن يرأس حكومة يشكلها باسيل. قوة موقف باسيل تكمن في قوة توقيع رئيس الجمهورية. هذا التوقيع استخدمه باسيل في تشكيل الحكومة الأولى بعد انتخاب عون وفي تشكيل الحكومة الثانية بعد الإنتخابات النيابية وهو يريد أن يستغله بعد حتى بعدما بات العهد في قعر الهاوية. يعتبر أنه يمتلك مفتاح القصر وقفل الحكومة.

 

منذ اندلاع الثورة لجأ باسيل إلى القصر. كان وراء كل الظهورات التي ارتدت سلباً على الرئيس من إطلالته الأولى السيئة إلى كلمته في تظاهرة باسيل وتياره إلى المقابلة التلفزيونية المفتوحة والحصرية التي لم يفهم السبب في إجرائها إلا ما قيل عن أنها كانت تصب في مصلحة باسيل لجهة تشكيل حكومة مواجهة خصوصاً أنها أتت بعد كلام تصعيدي لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله.

 

أين مصلحة العهد؟

 

يدرك باسيل أنه تضرر مع تياره بفعل الثورة. وأنه إذا لم يستطع أن ينقذ نفسه اليوم فإن مستقبله سيكون غامضاً وسيئاً. لذلك يربط مصيره أيضاً بما يريده “حزب الله”. لا يستطيع أن يفك تحالفه مع “الحزب” ويعمل على أن يبقى مسيطراً على قرار رئيس الجمهورية. ذلك أنه حتى لو كان الرئيس يغطيه فعلاً ويكلفه بهذا الدور إلا أنه كان حرياً به أن يفعل ما تمليه عليه مصلحة العهد أولاً وأن يعمل على إقناع الرئيس بتبني التوجه الذي يمكن أن ينقذه وينقذ العهد لا أن يساعده على البقاء في قعر الهاوية والأزمة. ربما من هذا المنطلق يمكن فهم ما قالته السيدة ميراي عون الهاشم عن أنها لم تفهم كيف يمكن أن يتظاهر الشخص دعماً لنفسه بعد زج والدها في تظاهرة باسيل: “أنا في السلطة فكيف يجوز أن أتظاهر دعماً لنفسي؟”.

 

على رغم المعارضة العائلية للدور الذي يلعبه باسيل، وعلى رغم خروج النائب شامل روكز من تكتل لبنان القوي وعلى رغم تحفظات السيدتين ميراي وكلودين يبقى باسيل الإبن المدلل للرئيس عون ويبقى الرئيس عون معطياً مفتاح العهد لباسيل. هذا التسليم الذي يشبه الإستسلام يعني نهاية حتمية للعهد. لا قدرة لباسيل على فرض الحكومة التي يريدها. لا قدرة له على فرض أن يكون سعد الحريري رئيساً لهذه الحكومة. لا قدرة له على تشكيل حكومة مواجهة. لا قدرة على تشكيل حكومة مع سعد الحريري ولا قدرة على تشكيل حكومة من دونه. الحل أن يتحرر الرئيس عون من عبء باسيل وأن يذهب إلى خيار الحكومة الحيادية المستقلة غير السياسية التي يمكنها أن تنقذه وتنقذ العهد.