وكأنه من أنواع الحب «القاتل» للطموحات السياسية والرئاسية، ذلك المتبادل بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وزعيم التيار المؤسس العماد ميشال عون. فبعدما شكّلت توجّهات عون المفعمة بفائض الحب تجاه الصهر الأعزّ، الدافع الأكبر وراء استثارة القاعدة العونية المناضلة تاريخياً مع الجنرال بشكل أجهز على فرص «ترييسه» بالتراضي عليهم فكانت خطوة «تعيينه» بالإكراه رئيساً على التيار، ها هو باسيل يبادله حباً من النوع نفسه بعد أن شكّلت سياساته الديبلوماسية الدافع الأبرز وراء استثارة المنظومة العربية برمتها ضد ترشيح عون الرئاسي، بشكل بدا من خلاله وزير الخارجية يجهز بيديه على آمال عمّه وطموحاته في نيل الرضى العربي والقبول بمباركة حظوظه الرئاسية ربطاً بما عكسه «العهد العوني» في الخارجية من انحياز واضح إلى الأجندة الإيرانية المناهضة للعرب.
وقياساً على أدائه المتمادي والممعن في النكء بالجراح الملتهبة بين لبنان والدول العربية منذ مؤتمر القاهرة مروراً بمؤتمر جدّة وصولاً إلى مؤتمره الصحافي المتمسّك بسياسة استفزاز العرب بعد ساعات فقط من صدور بيان مجلس الوزراء المتمسّك بسياسة الإجماع العربي، لعلّه من الجائز الظنّ بأنّ باسيل ربما يسعى إلى أن يردّ جميل «التعيين» بجميل مماثل معوّلاً على نجاح «حزب الله» ومن ورائه إيران في «ترييس» عون وفرضه رئيساً «معيّناً» على الجمهورية.
نعم، وبشكل أكيد غير مقصود، كان باسيل، ومن حيث لا يدري ولا يرغب طبعاً، المساهم الأكبر في الإجهاز على ترشيح عون والدفع باتجاه اضمحلال حظوظ وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى في ضوء اعتناقه «ديبلوماسية» موالية لطهران على حساب العروبة والعلاقات التاريخية مع المملكة العربية السعودية وعموم دول مجلس التعاون الخليجي.
وأبعد، تبدو الأمور متجهة إلى ما بعد بعد النفور الخليجي والعربي نحو النأي الدولي بالنفس عن ترشيح عون باعتباره أضحى في نظر المجتمع الغربي كما العربي مرشحاً منحازاً لمحور ضد محور، سواءً في انحيازه الصريح على المستوى الداخلي لسياسات «حزب الله» في مواجهة سائر المكونات الوطنية، أو على المستوى الإقليمي في انحيازه الواضح للسياسات الإيرانية في مواجهة سائر المكونات العربية.
فكما في معالم الصورة المحلية حيث لم يبقَ حليف ولا حليف حليف إلا ويكاد يتمايز عن ترشيح «حزب الله» لعون إلى درجة اضطر معها الدكتور سمير جعجع إلى مناشدة 8 آذار العودة لوحدة الصفّ خلف هذا الترشيح والتزام التصويت للجنرال كمرشح أوحد لهذا الفريق، يبدو كذلك في أبعاد المشهد الدولي أنه حتى حلفاء الحلفاء بدأوا باعتماد خيار النأي بالنفس عن ترشيح عون في ظلّ ما تواتر من معلومات موثوقة تفيد بأنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعتذر عن عدم إمكانية استقبال عون في لقاء كان من المُفترض عقده أمس في موسكو، مبرراً ذلك بكون القيادة الروسية تفضّل في هذه المرحلة عدم الاجتماع بأية شخصية مرشحة للانتخابات الرئاسية خشية تفسير ذلك بأنه دعم روسي لمرشح ضدّ مرشح في السباق الرئاسي اللبناني.
وأكثر، تنقل هذه المعلومات المتواترة من موسكو أجواء تشي بوجود استعداد روسي للضغط على إيران في سبيل حثّها على انتهاج سياسة متعاونة مع الجهود الدولية الهادفة إلى حل الأزمة الرئاسية في لبنان. حتى أنّ تقارير ديبلوماسية تحدثت عن تلقي طهران بالفعل رسالة روسية في الآونة الأخيرة تدعوها إلى استثمار اللحظة السياسية المتاحة حالياً من خلال مشروع الهدنة المقبل على سوريا والمساهمة في تذليل العقدة الرئاسية على الساحة اللبنانية قبل أن يفوتها قطار التسويات فتفقد دفّة المبادرة كلياً إن تغيرت المعادلات الإقليمية مستقبلاً.
كَثُر التحليل والتأويل والحديث عن «فيتو» عربي على ترشيح عون.. قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكنّ الصحيح أنه إذا كان هناك من «فيتو» فقد صوّت عليه باسيل نفسه في القاهرة وجدّة، حين صوّت ضد الإجماع العربي.